كشف الدكتور تحسين شعلة، أستاذ التكنولوجيا الحيوية والخبير البيئي، تأثيرات متوقعة قد تطال سد النهضة الإثيوبي خلال فصل الشتاء المقبل، مسلطًا الضوء على ظاهرة “اللا نينا” التي من المتوقع أن تؤدي إلى انخفاض شديد في درجات الحرارة. وفقًا لتصريحاته، سيشهد الشتاء المقبل من عام 2024 واحدة من أقسى الفترات المناخية في تاريخ المنطقة، وذلك بعد أن سجل صيف 2024 أيضًا أعلى معدلات درجات الحرارة.
خطورة الوضع المناخي على سد النهضة
أوضح شعلة أن هذه التغيرات المناخية ليست مجرد مسألة برودة الطقس أو ارتفاع الحرارة، بل ترتبط بتغيرات مناخية جذرية، سيكون لها تأثير مباشر على منطقة القرن الإفريقي، خاصة على إثيوبيا والسودان وكينيا. الأمر يتجاوز سقوط الأمطار الغزيرة غير المسبوقة، ليصل إلى إمكانية حدوث زلازل وبراكين بسبب التغيرات الجيولوجية التي عادةً ما ترافق هطول الأمطار بكميات تفوق المعدلات الطبيعية في هذه المناطق.
من الناحية الفنية، أشار شعلة إلى أن معدلات الأمطار في إثيوبيا ارتفعت بما يقارب 1000 مللي عن المعدل الطبيعي، وهو ما يزيد من احتمالية تأثر سد النهضة بشكل كبير. السد، الذي يعتبر مشروعًا قوميًّا إثيوبيًّا، قد يواجه تحديات كبيرة بسبب تلك الظروف البيئية، ما يضعه تحت ضغوط جديدة تتعلق بالسلامة الهيكلية.
تداعيات إقليمية على السودان
بالإضافة إلى المخاطر التي تواجه السد، أكد شعلة أن السودان سيتعرض لآثار مدمرة ناتجة عن السيول والفيضانات التي بدأت بالفعل في بعض المناطق. وقد تم ملاحظة تلك الآثار خلال الفترة الأخيرة، حيث شهدت السودان موجات من السيول الكارثية، التي من المتوقع أن تتفاقم خلال فصل الشتاء المقبل.
الدبلوماسية المصرية وملف سد النهضة
من الجانب السياسي، تدخلت مصر مجددًا في الساحة الدبلوماسية. فقد وجه الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، خطابًا رسميًا إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، يعترض فيه على التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي بخصوص المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة. أكد عبد العاطي في خطابه رفض مصر القاطع للسياسات الإثيوبية الأحادية، التي تتعارض مع قواعد القانون الدولي. وأشار إلى أن استمرار إثيوبيا في هذه السياسات الأحادية يعد خرقًا صريحًا لاتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا، وكذلك البيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في سبتمبر 2021.
تحليل للوضع المستقبلي
إذا نظرنا إلى المشهد من منظور أشمل، نجد أن قضية سد النهضة لم تعد محصورة في الصراع الدبلوماسي بين الدول الثلاث، بل أصبحت مرتبطة بعوامل طبيعية وجيولوجية لا يمكن التحكم فيها بسهولة. فبينما تسعى إثيوبيا لاستكمال مراحل ملء السد وتحقيق مكاسبها الاقتصادية والتنموية، تواجه تحديات بيئية خطيرة قد تؤثر على استقرار السد وسلامته الهيكلية.
من جهة أخرى، السودان يواجه خطرًا مباشرًا يتمثل في الفيضانات والسيول، التي باتت واقعًا يعيشه الشعب السوداني. هذا الخطر لا يتعلق فقط بالأضرار البيئية، بل يمتد ليشمل تهديدات للأمن الغذائي والمائي في المنطقة، حيث يعتمد السكان بشكل كبير على الأنهار كمصدر رئيسي للمياه العذبة.
بالنسبة لمصر، فإن موقفها يظل ثابتًا في رفض أي محاولات إثيوبية للتحكم في مياه النيل بشكل أحادي. ليس فقط من أجل الحفاظ على حصتها المائية، ولكن أيضًا لضمان عدم تعرض المنطقة لأية كوارث بيئية نتيجة للعوامل المناخية التي قد تؤثر على استقرار سد النهضة.
الخاتمة
إن الوضع الراهن يضع الجميع أمام تحديات كبيرة. فإثيوبيا عليها أن تعيد النظر في خطواتها القادمة بشأن السد، خاصة في ظل التحذيرات البيئية التي تشير إلى احتمالية حدوث كوارث طبيعية. السودان يحتاج إلى دعم إقليمي ودولي لمواجهة الفيضانات والتداعيات البيئية. أما مصر، فإن استراتيجيتها يجب أن تتضمن تحركًا دوليًا واسعًا لضمان الحفاظ على حقوقها المائية، مع البحث عن حلول دبلوماسية تجنب المنطقة أي تصعيد قد يؤدي إلى مواجهة أكبر.
في النهاية، لا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه العوامل الطبيعية في تشكيل مستقبل المنطقة، وهو ما يضع المسؤولين في مصر وإثيوبيا والسودان أمام مسؤوليات كبيرة لضمان الحفاظ على الأمن المائي والبيئي لشعوبهم.