عاش الأستاذ سيد قطب طيلة حياته متطرفاً في مواقفه الفكرية، ومتقلباً في آرائه واتجاهاته، ولكن بعد انضمامه لتنظيم الإخوان المسلمين، حرص أعضاء التنظيم الإخواني على طمس تاريخه قبل انضمامه لهم، خاصة وهو في تقديرهم أعظم مفكريهم، ولكن عبر البحث والتنقيب يمكننا الوصول لخفايا تاريخ سيد قطب قبل اعتناقه لفكر الإخوان المسلمين.
في دراسة تحمل عنوان (الماسونية والماسون في مصر)، صدرت في كتاب عن سلسلة “مصر النهضة” بدار الكتب، للكاتب والباحث الدكتور وائل إبراهيم الدسوقي، جمع فيها الباحث تاريخ الحركة الماسونية في مصر، وأسماء مشاهير الماسونيين المصريين، جاء اسم الأستاذ سيد قطب. لم يكن قطب مجرد عضو بالمحفل الماسوني، بل كان من أهم كُتَّاب مجلة “التاج المصري” الناطقة بلسان حال المحفل الماسوني المصري آنذاك، ومن كتاباته الشهيرة في المجلة، في عدد الجمعة 23 أبريل سنة 1943، كان المقال الافتتاحي الذي كتبه سيد قطب بعنوان «لماذا صرت ماسونياً؟»، طرح فيه السؤال على نفسه وحاول الإجابة عليه، وكان من ضمن ما قاله في مقاله:
«السؤال سهل ميسور، والجواب من القلب إلى القلب، فعرفت عندئذ أنني صرت ماسونياً، لأنني أحسست أن في الماسونية بلسماً لجراح الإنسانية. طرقت أبواب الماسونية لأغذي الروح الظمأى بالمزيد من الفلسفة والحكمة، ولأقتبس من النور شعلة بل شعلات تضيء لي طريق الحياة المظلم، ولأستمد قوة أحطم بها ما في الطريق من عراقيل وأشواك، ثم لكي أكون مجاهداً مع المجاهدين وعاملاً مع العاملين».
ويضيف قطب:
«لقد صرت ماسونياً، لأنني كنت ماسونياً، ولكن في حاجة إلى صقل وتهذيب، فاخترت هذا الطريق السوي، لأترك ليد البناية الحرة مهمة التهذيب والصقل. فنعمت اليد ونعم البناؤون الأحرار».
ويقول أيضاً:
«ليس الماسوني من أجريت له المراسيم بذلك، واكتسب هذه الصفة عن هذا الطريق، وإنما الماسوني من يعمل، ولكن في صمت دون ضجة أو إعلان، هو من يفتح قلبه للجميع يتساوى لديه في ذلك الصغير والكبير، هو من يعمل الواجب لأنه واجب والخير لدواعي الخير، دون أن يبغي من وراء ذلك جزاء أو يطمح لنيل مطمح. هو من ليس له حق، وإنما عليه واجب».
ثم يطرح سيد قطب تعريفاً خاصاً للماسونية، وهو:
«الماسونية هي التي تجمع بين مختلف الأديان، ولا تعرف للتخريب معنى، ولن تجد كلمة التعصب مكاناً في قاموسها. هي التعويذة السحرية التي تؤلف بين القلوب جميعها في أقاصي الشرق أو أدنى الغرب. هي المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الجميع، الصغير منهم والكبير، أن يتصافحوا مصافحة الأخ لأخيه، ويجلسوا جنباً إلى جنب دون نظر إلى فارق اجتماعي أو مركز أدبي. ولا غرور في ذلك إذ إن دعائمها وأسسها مشيدة على الحرية والإخاء والمساواة، فما أعظمها دعائم، وما أقواها من أسس، وما أنبلها وأسماها من مبادئ».
الشيخ “محمد الغزالي” وهو أيضاً كان عضواً بتنظيم الإخوان المسلمين، قال في كتابه “من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث”:
أن “سيد قطب” منحرف عن طريقة حسن البنا، وأنه بعد مقتل حسن البنا وضعت الماسونية زعماء لحزب الإخوان المسلمين، وقالت لهم: “ادخلوا فيهم لتفسدوهم”، وكان منهم “سيد قطب”.
للأسف الشديد، قام الشيخ محمد الغزالي بحذف تلك الفقرات من كتابه في طبعاته اللاحقة، تحت ضغط قادة جماعة الإخوان المسلمين، ولكن النسخ المتوفرة من الكتاب طبعة عام 1963، وهي موجودة عند باعة الكتب القديمة بالقاهرة، تحتوي تلك الحقائق الدامغة عن حسن الهضيبي وسيد قطب.
طيلة حياته كان الأستاذ سيد قطب متطرفاً في مواقفه، سريع التأثر بما يجري حوله. انضم سيد قطب إلى حزب الوفد ثم انفصل عنه، وانضم إلى حزب السعديين لكنه مل من الأحزاب ورجالها، وعلل موقفه هذا قائلاً:
«لم أعد أرى في حزب من هذه الأحزاب ما يستحق عناء الحماسة له والعمل من أجله».
ويعترف الأستاذ سيد قطب لصديقه الكاتب سليمان فياض أنه ظل لمدة 11 عاماً ملحداً، وفي عام 1934 نشر الأستاذ سيد قطب في الأهرام مقالاً يدعو فيه إلى العري التام، وأن يعيش الناس عراة كما ولدتهم أمهاتهم.
وهكذا أفنى الأستاذ سيد قطب حياته متطرفاً في أفكاره بين أقصى اليمين وأقصى اليسار حتى انتهت حياته على حبل المشنقة بعد إدانته لكونه قائد التنظيم السري المسلح للإخوان المسلمين في عام 1965، والمخطط للانقلاب على نظام الحكم الناصري، وواضع خطط اغتيال الرئيس عبد الناصر وكبار المسؤولين في حكومة مصر وقتها، وخطط نسف القناطر الخيرية وبعض الكباري ومحطات الكهرباء والمياه لعمل فوضى تؤدي لوصول الإخوان للسلطة.