🔴 الحرب والسياسة زي لعبة الشطرنج.. المباراة ممكن تكون قدام عيون الناس كلها، لكن مفيش غير المحترفين اللي بيفهموا الخبايا. الهواة يمكن ما يعرفوش مغزى الحركة أو الهدف منها، ويمكن كمان ينتقدوها. لكن المحترف بيدرك إنها جزء من خطة أعمق للوصول لـ”كش ملك”. الحقيقة إن مصر بتقدملنا مباراة قوية جدا لخنق إثيوبيا والوصول لـ”كش أبي أحمد”. طبعًا، فيه تداخلات كتيرة من أطراف مختلفة في المباراة، وغالبية الحركات بتتم في صمت ومن غير ضجيج.. لكن اللي بنشوفه بوضوح هو إن مصر بالفعل قطعت شوط طويل وناجح لتأمين منابع النيل بشكل دائم.
مصر أنجزت المهمة المعقدة المرتبطة بعمل حصار جيوسياسي أو استراتيجي على إثيوبيا، وجهزت مسرح العمليات لأي تحرك عسكري لو استدعى الأمر. كل الترتيبات والاستعدادات والتدريبات تم تجاوزها، ووصلت مصر لمرحلة الجاهزية الكاملة لأي احتمال.
يعني إيه تطويق جيوسياسي؟ إيه قيمته بالنسبة لمصر؟ وإيه دلالة إرسال القوات المصرية للصومال؟ وهل ده بيشير إلى مواجهة عسكرية قريبة بين مصر وإثيوبيا من بوابة الصومال؟
🔴 الجيوسياسية أو “الجيوبوليتيك” معناها تأثير الجغرافيا على السياسة. المصطلح ده صاغه العالم السويدي “رودلف كيلين” في بداية القرن العشرين. ببساطة، إزاي توظف الجغرافيا لتحقيق أهداف سياسية. لما نقول “تطويق جيوسياسي” لدولة معينة، ده معناه حصار جغرافي لإخضاع الدولة دي من خلال إقامة علاقات سياسية وثيقة أو تحالفات مع الدول اللي حواليها.
فيه نوعين من التطويق الجيوسياسي: تطويق سلبي وتطويق إيجابي. التطويق السلبي زي اللي المؤامرات بتعمله مع مصر دلوقتي، بتحاصرها بحزام من الحروب والنزاعات عشان تضعفها وتضرب اقتصادها ومشاريعها مع دول الجوار. أما التطويق الإيجابي، فبيكون بعمل تحالفات مع دول الجوار وتقويتهم عشان يساعدوك في تحقيق أهدافك.
بمعني أن تطويق إثيوبيا يحقق لمصر الآتي:
🔴 أولاً: المشهد ده بيضغط على إثيوبيا سياسياً واقتصادياً وبيعزلها إقليمياً، وبيأثر على اقتصادها اللي منهار أصلاً.
🔴 ثانياً: الاتفاقيات العسكرية دي بتشمل التعاون الأمني والاستخباراتي وتبادل المعلومات. وبما إن الدول دي على حدود إثيوبيا، فأكيد ليها نشاط استخباراتي جوه العمق الإثيوبي، ممكن يمدوك بمعلومات مفيدة خلال النزاع.
🔴 ثالثاً: كسب الدعم السياسي من الدول دي للموقف المصري، أو على الأقل تحييدهم من الصراع بمنطق “إن لم تكن معي فلا تكن ضدي”.
🔴 رابعاً: في حالة العمل العسكري، ممكن يكون فيه تحرك مشترك على الأرض، أو على الأقل منع أي دعم عسكري لإثيوبيا.
مصر بالفعل عملت ده مع كل دول الجوار الإثيوبي، اللي هما ٨ دول: السودان، جنوب السودان، أوغندا، الصومال، جيبوتي، إريتريا، بوروندي، وكينيا. وده بيرتقي لكونه حصار حربي متكامل.
🔴 كيف نجحت مصر في تحقيق ذلك؟
بعد 2011، معظم الدول الإفريقية كانت منحازة لإثيوبيا ووقعت على اتفاقية عنتيبي سنة 2010 بدون مصر. لكن من بعد 2013، بدأت مصر سياسة النفس الطويل وبدأت تنفيذ خطة التطويق الاستراتيجي، من خلال إحياء تحالفات مع الدول الإفريقية وخصوصاً اللي حوالين إثيوبيا.
بدأت مصر رحلة التحالفات مع دولة تلو الأخرى:
🔴 في ٢٠٢٠، مصر وقعت اتفاقية تعاون عسكري مشترك مع السودان. بعدها بأيام، توقعت اتفاقية تعاون اقتصادية ضخمة.
🔴 في ٢٠٢١، مصر وأوغندا وقّعوا اتفاقية تعاون عسكري استخباراتي. وفي نفس الوقت، وفد رفيع المستوى من مصر زار جنوب السودان لتوقيع اتفاقيات تعاون.
🔴 في نفس العام، تم توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع بوروندي. برضه في نفس العام، تم الإعلان عن اتفاقية مماثلة مع كينيا.
🔴 في ٧ فبراير ٢٠٢٢، الرئيس السيسي استقبل نظيره الجيبوتي، وبعدها زار جيبوتي. وتم التوقيع على مذكرة لإنشاء المنطقة اللوجستية المصرية في جيبوتي.
🔴 في فبراير ٢٠٢٤، زار الرئيس الإريتري مصر وتم توقيع عدد من الاتفاقيات المشتركة.
🔴 وأخيراً في يوليو ٢٠٢٤، تم تفعيل الدفاع المشترك مع الصومال.
🔴 في النهاية لازم نبقى عارفين إن مصر بتجيد اللعب على رقعة الشطرنج السياسية. مصر قادرة تعاقب إثيوبيا على تطاولها مهما طال الزمن، ومش بتتحرك إلا لحماية الأمن القومي. دعم الصومال صحيح التزام أخلاقي، لكنه كمان بيصب في مصلحة مصر وحمايتها.
وبكدا نقدر نقول إن مصر خلصت “الكماشة” أو الحصار الحربي لإثيوبيا. ده كله تجهيز لمسرح العمليات لو تطاولت إثيوبيا على حقوق مصر في النيل. كل الأسباب دي هتخلي إثيوبيا في موقف صعب جداً.
🔴 هل الجيش المصري قادر على العمل في أكثر من جبهة بنفس الكفاءة؟
شوف، الجيش المصري عنده قدرة العمل في أكثر من جبهة في نفس الوقت. دا حصل بالفعل في سنوات الحرب على الإرهاب. التطور الرهيب اللي حصل في الجيش المصري خلاه قادر على خوض أكتر من حرب في أكتر من جبهة بنفس الوقت وبكفاءة عالية.
لا خوف على مصر أبداً. قوتها الحقيقية إنها بتشتغل في كافة المحاور والملفات في نفس الوقت. تحركات الدولة المصرية، سواء أزمة السد اتحلت سلمياً أو تطورت لمواجهة عسكرية، بتُدرس في براعة التطويق والخنق.
الدولة المصرية طورت المهارة دي بشكل غير مسبوق، وبتناغم عبقري بين أجهزتها ومؤسساتها تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، اللي بيدير المعركة بحكمة السياسي وشجاعة العسكري.
ولما نبص على الخريطة، نقدر نقول لإثيوبيا: “جيم أوفر”. لازم نكون مطمئنين إن فيه دولة قوية بكل أجهزتها بتعمل في صمت وذكاء لحماية مصر والشعب المصري من أي تهديد محتمل. حفظ الله مصر وجعلها كما تستحق أمة عظمى بين الأمم.