في أزمات سد النهضة، تتكشف الأمور لتثبت أن مصر هي الوحيدة التي تملك الحلول. منذ أن بدأت إثيوبيا في مشروعها العملاق لبناء سد النهضة على نهر النيل، كان هذا السد محط جدل واسع ليس فقط في المنطقة، بل على الساحة الدولية. ولكن مع تقدم المشروع وتزايد التوترات، أصبح من الواضح أن مصر، باعتبارها دولة المصب، تمتلك المفاتيح الحقيقية لحل هذه الأزمة المعقدة.
سد النهضة، الذي تم الترويج له كرمز للنهضة الإثيوبية، يحمل في طياته العديد من التحديات التي لم تكن محسوبة بشكل جيد. عندما تم تخفيض عدد التوربينات المخطط لها من 16 إلى 13، ثم تم تركيب 4 منها فقط، أصبح واضحًا أن المشروع يواجه عقبات كبيرة. حتى لو عملت هذه التوربينات بكفاءة مثالية – وهو افتراض يتجاوز الواقع – فإنها لن تتمكن من توليد أكثر من 1.6 جيجاوات من الكهرباء، مما يضعف من قدرة السد على تلبية الطموحات الإثيوبية في توليد الطاقة.
لكن الأهم من ذلك هو أن تشغيل السد بكامل طاقته سيؤدي إلى استنزاف المياه المتدفقة عبر النهر بشكل يتجاوز إيراد النيل السنوي. لو أضيفت توربينتان إضافيتان، ليصبح العدد الإجمالي للتوربينات العاملة 6، فإن كمية المياه التي سيتم تصريفها ستصل إلى 54 مليار متر مكعب سنويًا، وهذا رقم يتجاوز المتوسط السنوي لتدفق نهر النيل. هذه الأرقام تعني ببساطة أن السد سيبدأ في تفريغ الخزان بوتيرة سريعة، مما سيؤدي إلى الوصول إلى مستوى المخزون الميت في غضون سنوات قليلة، وهذا بدوره سيعطل بشكل مباشر تشغيل معظم التوربينات.
في ظل هذه المعطيات، تظهر مصر كالدولة الوحيدة القادرة على تقديم حلول مستدامة لهذه الأزمة. بخلاف ما يعتقده البعض، فإن المشكلة ليست في قدرة إثيوبيا على بناء السد أو تشغيل التوربينات، بل في كيفية إدارة تدفقات المياه بطريقة لا تضر بمصر والسودان، الدولتين اللتين تعتمدان على نهر النيل كمصدر رئيسي للحياة. مصر لديها خبرة طويلة في إدارة الموارد المائية، وهي قادرة على تقديم حلول عملية تضمن التوازن بين توليد الطاقة في إثيوبيا والحفاظ على حقوق مصر والسودان في المياه.
الحلول التي تطرحها مصر تعتمد على رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار الجوانب التقنية والسياسية والبيئية للمشروع. مصر تدرك تمامًا أن بناء السدود العملاقة ليس مجرد مسألة هندسية، بل هو قضية وجودية تمس حياة الملايين من البشر. لذلك، تسعى مصر دائمًا إلى الحوار والتفاوض لحل هذه الأزمة بطريقة سلمية ومستدامة، وقدمت العديد من المقترحات التي تراعي مصالح جميع الأطراف.
في المقابل، يبدو أن إثيوبيا تمضي قدمًا في المشروع دون أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الحقائق. ولكن مع اقتراب المشروع من مراحل تشغيله النهائية، ستواجه إثيوبيا حتمًا الحقائق الصعبة التي تجعل من تشغيل السد بكامل طاقته أمرًا مستحيلاً من دون تعاون مع مصر والسودان. حينها، ستتضح أكثر أهمية الحلول المصرية التي تهدف إلى ضمان تدفق المياه بشكل منتظم ومستدام.
الوقت يضيق، والتحديات تتزايد، ولكن مصر تظل الدولة الوحيدة التي تمتلك رؤية شاملة لحل أزمة سد النهضة. هذه الرؤية لا تقتصر على حماية مصالحها المائية فقط، بل تمتد لتشمل ضمان استقرار المنطقة بأسرها. مصر، بحكم موقعها الجغرافي وخبرتها الطويلة في إدارة مياه النيل، هي التي تملك الحلول الحقيقية التي يمكن أن تحول سد النهضة من مصدر للصراع إلى مصدر للتعاون الإقليمي.
في النهاية، من الواضح أن أي حل لأزمة سد النهضة يجب أن يمر عبر القاهرة. إثيوبيا قد تكون قادرة على بناء السد، ولكن مصر هي التي تمتلك المفتاح لضمان تشغيله بطريقة تحقق الفائدة للجميع دون التسبب في ضرر لا يُمكن إصلاحه لدول المصب. ومن خلال التعاون والحوار، يمكن لمصر أن تقود المنطقة نحو حل مستدام لأزمة سد النهضة، بما يضمن استقرار المنطقة وتحقيق التنمية المستدامة لجميع دول حوض النيل.