قراءة – صموئيل العشاي:
بريندا عبد العال، المحامية الأميركية ذات الأصول المصرية، تدخل مشهد السياسة الأميركية اليوم من أوسع أبوابه، وذلك بعدما أعلنت حملة نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس عن تعيينها في دور استراتيجي بالغ الأهمية. هذا التعيين لا يمكن اعتباره مجرد خطوة انتخابية عادية بل هو جزء من استراتيجية أوسع تعكس محاولة جادة من حملة هاريس لتوسيع قاعدة دعمها الانتخابي بين الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة. تلك الجاليات التي، على الرغم من حجمها الكبير وتأثيرها المتزايد، ظلت لسنوات تعاني من التهميش وعدم التمثيل المناسب في السياسة الأميركية.
عبد العال، التي نشأت في آن أربور بولاية ميشيغان، تحمل خلفية مهنية وتعليمية مميزة. بعد حصولها على درجتي البكالوريوس والدكتوراه في القانون من جامعة ميشيغان، انطلقت في مسيرة مهنية ناجحة كمحامية متخصصة في الحقوق المدنية والسياسات العامة، مع تركيز خاص على قضايا الأمن القومي، ولعل هذا التخصص الأخير هو ما جعلها مرشحة طبيعية لتولي مناصب عليا في وزارة الأمن الداخلي الأميركية، حيث برزت كرئيسة للموظفين في مكتب الحقوق والحريات المدنية قبل أن تصبح مساعد وزير الشراكة.
لكن عبد العال لم تكن مجرد شخصية حكومية، فقد كان لها حضور أكاديمي قوي، حيث قامت بالتدريس في عدة جامعات مرموقة مثل جامعة نيويورك أبوظبي وجامعة ميشيغان، هذا التوازن بين الخبرة العملية في الحكومة والعمل الأكاديمي أعطاها رؤية متعمقة وشاملة للتحديات التي تواجهها الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة، وهي تحديات متجذرة في مشاعر الإحباط واليأس نتيجة للسياسات الأميركية الخارجية، وخاصة تلك المتعلقة بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
تعيين عبد العال في حملة هاريس يأتي في وقت حساس للغاية، حيث تعيش الولايات المتحدة حالة من الاستقطاب السياسي غير المسبوق. الجاليات العربية والمسلمة في هذا السياق ليست فقط شريحة انتخابية عادية، بل هي جزء من قاعدة اجتماعية واسعة تشعر بالغضب والإحباط من السياسات الأميركية الخارجية، تلك السياسات التي غالباً ما تراها متحيزة لصالح إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية. هذا الإحباط ظهر جلياً في الانتخابات السابقة حيث لم يكن هناك تحمس كبير بين الناخبين من هذه الجاليات، ولذا فإن محاولة حملة هاريس لجذب هذا الشريحة من الناخبين تعد خطوة استراتيجية محسوبة.
غير أن التحديات التي تواجه عبد العال في هذا الدور الجديد ليست هينة، فمهمتها تتجاوز مجرد جذب أصوات الناخبين العرب والمسلمين، إلى محاولة إعادة بناء جسور الثقة بين هذه الجاليات والمؤسسة السياسية الأميركية. هذا التحدي يتطلب منها فهمًا عميقًا ليس فقط للتعقيدات السياسية، بل أيضاً للثقافات المتعددة والتوقعات المختلفة التي تحكم سلوك هذه الجاليات، فهي بحاجة إلى استخدام كل خبراتها الأكاديمية والعملية في العمل على هذا الملف الشائك، الذي يتطلب توازناً دقيقاً بين تلبية تطلعات هذه الجاليات وعدم إثارة ردود فعل سلبية من الأوساط الأخرى في المجتمع الأميركي.
من المعروف أن الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة تتميز بتنوعها واختلافاتها الثقافية والسياسية، فبينما تجمعهم قواسم مشتركة كاللغة والدين والتراث الثقافي، إلا أن هناك اختلافات كبيرة في الرؤى السياسية والمواقف الاجتماعية، على سبيل المثال، قد تجد أن الجالية المصرية الأميركية لديها اهتمامات مختلفة بعض الشيء عن الجالية الفلسطينية أو اللبنانية، حيث تميل الجالية المصرية إلى التركيز على القضايا الاقتصادية والتعليمية في حين أن الجاليات الأخرى قد تكون أكثر تركيزًا على قضايا السياسة الخارجية مثل دعم حقوق الفلسطينيين. هذا التنوع يعني أن عبد العال ستحتاج إلى تطوير رسائل متعددة ومخصصة لكل شريحة من هذه الجاليات، مستندة في ذلك على فهم دقيق للاحتياجات والتطلعات الخاصة بكل جالية.
من ناحية أخرى، تعيين عبد العال يعكس تحولا في استراتيجية حملة هاريس التي تسعى إلى تعزيز دعمها بين الأقليات العرقية والدينية في الولايات المتحدة، وهي شريحة انتخابية مهمة في الانتخابات الرئاسية. هذه الشريحة، التي غالبًا ما كانت تتعرض للتهميش أو التجاهل في الحملات الانتخابية السابقة، بدأت تأخذ مكانها الطبيعي في الساحة السياسية الأميركية، مدفوعة بزيادة الوعي بحقوق الأقليات وتأثيرهم المحتمل على نتائج الانتخابات، وبدورها، عبد العال، وبفضل خلفيتها القانونية وخبرتها في مجال الحقوق المدنية، ستكون قادرة على تقديم رؤية واقعية وعملية لكيفية تحسين أوضاع هذه الجاليات وتعزيز مشاركتهم السياسية.
وبالانتقال إلى الدور المتوقع لعبد العال في الحملة، يمكن القول إن هذا الدور سيتجاوز بكثير مجرد جذب أصوات الناخبين، بل سيكون لها دور حاسم في صياغة السياسات والمواقف التي ستتبناها حملة هاريس تجاه القضايا ذات الصلة بالجاليات العربية والمسلمة، خاصة في ظل الأزمات الدولية الراهنة التي تزيد من تعقيد العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي والإسلامي. إذا نجحت عبد العال في هذا الدور، فإنها لن تكون قد ساهمت فقط في نجاح هاريس في الانتخابات المقبلة، بل قد تكون أسست لنموذج جديد في التعامل بين النخبة السياسية الأميركية وهذه الجاليات، نموذج يقوم على الاحترام المتبادل والتفاهم العميق للاحتياجات والتطلعات.
يبقى أن نرى كيف ستتعامل عبد العال مع التحديات العديدة التي تنتظرها، فبالإضافة إلى ضرورة بناء جسور الثقة مع الجاليات العربية والمسلمة، سيكون عليها أيضاً التعامل مع الضغوط الداخلية في حملة هاريس، والتأكد من أن رؤيتها ومقترحاتها تجد طريقها إلى التنفيذ العملي، وهو ما يتطلب منها مهارات دبلوماسية وإدارية عالية، وقدرة على المناورة في بيئة سياسية معقدة. كما أنها ستواجه ضغوطًا من الأوساط المحافظة التي قد ترى في تعيينها تهديدًا للأمن القومي الأميركي، بسبب خلفيتها الإسلامية وعملها في منظمات حقوقية تعتبرها هذه الأوساط مثيرة للجدل.
في النهاية، يعكس تعيين بريندا عبد العال في حملة هاريس تحولاً مهماً في كيفية تعامل السياسة الأميركية مع الجاليات العربية والمسلمة، وهو تحول يمكن أن يكون له تأثيرات بعيدة المدى على هذه الجاليات وعلى السياسة الأميركية بشكل عام. فنجاح عبد العال في هذه المهمة قد يكون نقطة تحول في العلاقات بين هذه الجاليات والنخبة السياسية الأميركية، ويفتح الباب أمام مشاركة أكبر وأكثر فعالية لهذه الجاليات في الحياة السياسية. هذه المشاركة لن تقتصر فقط على الانتخابات المقبلة، بل قد تمتد لتشمل تأثيرًا أكبر في صناعة القرارات والسياسات على المدى الطويل، ما يعكس تغييرًا حقيقيًا في مكانة وتأثير الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة.