في ظل اشتداد المنافسة الانتخابية في الولايات المتحدة، تبرز كامالا هاريس كمرشحة ديمقراطية قوية، وقد تكون أول امرأة تتولى رئاسة البلاد. ولكن ما يثير الاهتمام في هذا السياق ليس فقط احتمالية فوزها بالانتخابات، بل ما يمكن أن يحدث بعد هذا الفوز. إذ تذهب بعض التحليلات إلى أن وصول كامالا هاريس إلى البيت الأبيض قد يكون بمثابة جرس إنذار لبداية انهيار الإمبراطورية الأمريكية وتفكك الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي بشكل جذري.
لتحليل هذا السيناريو المحتمل، يجب أولاً العودة إلى الجذور التي قامت عليها الولايات المتحدة كأمة. منذ تأسيسها، اعتمدت الولايات المتحدة على مجموعة من القيم التي كانت مصدر قوتها، مثل الحرية والديمقراطية والمساواة. ولكن في السنوات الأخيرة، بدأت هذه القيم تتآكل بفعل الانقسامات الداخلية المتزايدة والأزمات المتعددة التي تهدد استقرار البلاد. إذا ما وصلت هاريس إلى السلطة، فقد تجد نفسها في مواجهة سلسلة من التحديات التي قد تعجل بانهيار الدولة كما نعرفها.
أحد أهم هذه التحديات هو الانقسام السياسي الحاد الذي يعصف بالولايات المتحدة. فقد أظهرت الانتخابات الأخيرة والاضطرابات الاجتماعية التي شهدتها البلاد أن الولايات المتحدة أصبحت منقسمة بشكل غير مسبوق. هذه الانقسامات لا تقتصر فقط على اختلافات سياسية تقليدية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بل تمتد إلى قضايا أساسية تتعلق بالهوية الوطنية والعرقية والاقتصادية. وصول هاريس إلى البيت الأبيض قد يزيد من حدة هذه الانقسامات، خاصة في ظل رؤيتها التقدمية التي قد لا تلقى قبولاً واسعاً في بعض الولايات المحافظة.
بالإضافة إلى الانقسامات الداخلية، تواجه الولايات المتحدة تحديات اقتصادية كبيرة. تفاقم الديون الوطنية، وزيادة التفاوت في الدخل، وتآكل الطبقة الوسطى، كلها عوامل تهدد الاستقرار الاقتصادي الأمريكي. فوز هاريس قد يؤدي إلى تطبيق سياسات اقتصادية تهدف إلى معالجة هذه القضايا، ولكن هذه السياسات قد تواجه معارضة شديدة من النخب الاقتصادية والصناعية التي قد ترى فيها تهديداً لمصالحها. في ظل هذا السياق، قد تنشأ حركات انفصالية مدعومة من تلك النخب، مما يفتح الباب أمام تفكك الولايات المتحدة إلى كيانات أصغر وأكثر استقلالية.
على الصعيد الدولي، قد يواجه فوز هاريس تحديات لا تقل خطورة. الولايات المتحدة تعتمد منذ عقود على هيمنتها العسكرية والاقتصادية للحفاظ على دورها كقوة عظمى. ولكن مع صعود قوى جديدة مثل الصين وروسيا، وتراجع النفوذ الأمريكي في مناطق مثل الشرق الأوسط وآسيا، قد تجد هاريس نفسها في موقف صعب يحتم عليها إعادة النظر في سياسات الولايات المتحدة الخارجية. أي تراجع في النفوذ الأمريكي قد يؤدي إلى انهيار النظام العالمي الحالي الذي يعتمد بشكل كبير على الهيمنة الأمريكية، مما يفتح المجال أمام قوى أخرى لإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية العالمية.
فوز هاريس قد يؤدي أيضاً إلى تسريع الاتجاه نحو تراجع الثقة في المؤسسات الأمريكية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. هذا التراجع قد يعزز من شعور الانفصال بين المواطنين والحكومة، مما يؤدي إلى زيادة في حركات الاحتجاج والعصيان المدني. مع تزايد هذه الحركات، قد تجد هاريس نفسها في مواجهة تصاعد غير مسبوق في العنف الداخلي، وهو ما قد يكون القشة التي تقصم ظهر البعير وتؤدي إلى تفكك الاتحاد.
الانهيار المحتمل للولايات المتحدة لا يمكن أن يتم دون أن يكون له تأثير عالمي واسع النطاق. فباعتبارها القوة العظمى التي تقود العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سيكون لانهيار الولايات المتحدة تأثيرات كبيرة على النظام العالمي. ستجد القوى العالمية الأخرى نفسها في موقف جديد يتطلب منها إعادة تقييم علاقاتها وتحالفاتها، مما قد يؤدي إلى ظهور تحالفات جديدة وصراعات غير متوقعة.
إلى جانب التأثيرات الجيوسياسية، سيكون لانهيار الولايات المتحدة تأثيرات اقتصادية كبيرة على المستوى العالمي. فالاقتصاد الأمريكي هو أكبر اقتصاد في العالم، وأي اضطرابات في هذا الاقتصاد ستؤدي إلى اضطرابات في الأسواق العالمية. الدول التي تعتمد على الاقتصاد الأمريكي ستواجه تحديات كبيرة، مما قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية عالمية تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي.
وبالنظر إلى كل هذه العوامل، يبدو أن وصول كامالا هاريس إلى البيت الأبيض قد يكون لحظة حاسمة في تاريخ الولايات المتحدة، لحظة قد تشكل بداية النهاية للإمبراطورية الأمريكية. ولكن في الوقت نفسه، قد تكون هذه اللحظة فرصة للولايات المتحدة لإعادة النظر في نفسها وإعادة بناء نفسها على أسس جديدة تضمن لها البقاء كدولة قوية وإن كانت ليست القوة العظمى التي كانت عليها. فالتاريخ مليء بالأمثلة على دول عظيمة شهدت لحظات من الانهيار ثم عادت إلى الساحة من جديد بشكل مختلف. السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا هو: هل ستكون الولايات المتحدة قادرة على التكيف مع التحولات العالمية والداخلية أم أنها ستنضم إلى قائمة الدول التي انهارت تحت وطأة تحدياتها؟
فقط الزمن سيجيب عن هذا السؤال، ولكن ما هو مؤكد هو أن فوز كامالا هاريس، إذا ما حدث، سيشكل نقطة تحول في تاريخ الولايات المتحدة، قد تكون بداية لانهيارها كقوة عظمى، أو قد تكون بداية لنهضة جديدة.