ما يحدث في غزة: إبادة وانتقام لا دفاع عن النفس… ونتنياهو تلقّى تحذيرًا من “الشاباك” قبل هجوم 7 أكتوبر؟

تحليل يكتبه :اللواء أ.ح صلاح المعداوي محافظ الدقهلية الأسبق
ما يجري في غزة لا يمكن وصفه بأنه “دفاع عن النفس” كما تدّعي إسرائيل، بل هو عملية انتقامية مدمّرة تستهدف كل مظاهر الحياة، وتشمل القتل والتجويع والإبادة الجماعية، وليس مجرد قتال تقليدي.
من بين الشهادات اللافتة التي تكشف جانبًا خفيًا من بداية الحرب، جاءت شهادة الجنرال رونين بار، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، التي قدمها للمحكمة العليا في إسرائيل.
قال الجنرال بار إنه حذر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبر مكتبه، من تحركات خطيرة لحماس كانت توشك على تنفيذ عملية تهدد أمن إسرائيل. وطلب الجنرال توجيه ضربة استباقية لحماس قبل تنفيذ الهجوم بيوم كامل، أي في السادس من أكتوبر 2023، لكنه فوجئ بتجاهل تام من نتنياهو لهذا التحذير، رغم أنه أبلغ السكرتير العسكري لرئيس الوزراء بذلك أيضًا قبل ساعات من الهجوم.
هذه الشهادة تثير تساؤلات خطيرة، إذ تفيد بأن نتنياهو تعمد تجاهل التحذير، وكان مطلعًا مسبقًا على الهجوم، بل وربما استغله لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية، من بينها:
1. إظهار إسرائيل كضحية تعرّضت للاعتداء.
2. توفير مبرر قانوني دولي للرد تحت مظلة “الدفاع عن النفس”.
3. استغلال استخدام حماس للأنفاق لتبرير تدمير شامل لكل البنية التحتية في غزة.
4. إطلاق العنان للقوة العسكرية الإسرائيلية دون ردع دولي، خاصة في الأسابيع الأولى للحرب.
لقد استفاد نتنياهو من ترك الهجوم يتم دون اعتراض استباقي، ليحوّله إلى أداة سياسية وعسكرية تعينه على تحقيق مشروع إعادة احتلال غزة، وفق تصوره. ولعل رفضه لاحقًا وقف إطلاق النار، رغم الضغوط الدولية ومن داخل إسرائيل، دليل إضافي على تمسكه بخطة كان ينسقها بعناية، بمعزل عن مصلحة الأسرى الإسرائيليين أو الاعتبارات الإنسانية.
هذا السيناريو يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة: لماذا تجاهل نتنياهو تحذيرات رئيس الشاباك؟ ولماذا أصرّ على استئناف الحرب رغم التوصل إلى اتفاق جزئي لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى؟ هل كان يخشى أن يؤدي استمرار التهدئة إلى إفشال أهداف الحرب التي خطط لها شخصيًا؟
ربما يكشف المستقبل المزيد من الأسرار، خاصة أن بعض قادة المعارضة الإسرائيلية بدأوا يصرّحون بأن نتنياهو بات يشكل خطرًا على مستقبل إسرائيل نفسها. وقد تتضح الصورة أكثر حين يُفتح الملف بالكامل، وتُعرض نتائج التحقيقات أمام الرأي العام.
من المعروف تاريخيًا أن إسرائيل كانت هي من ساهم في نشوء حماس وتوسيع نفوذها في غزة، من أجل خلق صراع داخلي يضعف السلطة الفلسطينية. واليوم، يبدو أن هذا الصراع قد استُغل مرة أخرى، لكن بطريقة خطرة ومكشوفة، ستنعكس نتائجها على الجميع، وربما تقلب المشهد الإقليمي بالكامل.
المؤكد أن ما جرى في السابع من أكتوبر 2023 كان بالإمكان تفاديه، لو أن التحذيرات أُخذت على محمل الجد. لكن السحر – كما يبدو – انقلب على الساحر.