في لقاء ريميني الدولي، ألقى نيافة الأنبا إرميا، رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، كلمة أكد فيها على المكانة الفريدة التي تحتلها السيدة العذراء مريم في قلوب الناس، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، في الشرق والغرب. أشار نيافته إلى أن العذراء مريم تجمع حولها المؤمنين من كلا الديانتين، حيث يصوم الكاثوليك صوم العذراء خلال الأسبوعين الأولين من شهر أغسطس، بينما يصوم الأقباط الأرثوذكس من 7 إلى 22 أغسطس، مشيرًا إلى أن بعض المسلمين أيضًا يشاركون في هذا الصوم، مما يبرز الطابع المشترك لهذه الشخصية المقدسة. واستشهد الأنبا إرميا بما جاء في إنجيل لوقا: “هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني، لأن القدير صنع بي عظائم”، لتأكيد مدى التقدير والاحترام الذي تحظى به السيدة العذراء عبر الأجيال.
وقد جاءت هذه التصريحات ضمن كلمة الأنبا إرميا على هامش معرض “رحلة العائلة المقدسة” الذي يُنظمه لقاء ريميني في إيطاليا بالتعاون مع المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي خلال الفترة من 20 إلى 24 أغسطس. وخلال كلمته، استعرض الأنبا إرميا من واقع الكتاب المقدس قصة ميلاد السيد المسيح، مشيرًا إلى بداية القصة ببشارة الملاك غبريال للسيدة العذراء، وطاعتها الكاملة وتسليمها مشيئتها لله، مما مهد لميلاد الطفل يسوع. كما ذكر ظهور الملاك للقديس يوسف النجار، حاثًا إياه على أخذ الصبي وأمه إلى أرض مصر هربًا من الملك هيرودس الذي كان يسعى لقتل يسوع، مشيرًا إلى أن هذا الحدث يحقق النبوة التي وردت في إنجيل متى: “لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني”.
كما أضاف الأنبا إرميا أن هذه النبوة لم تكن الوحيدة التي تحققت، فقد وردت نبوات أخرى في سفر أشعياء النبي: “وحي من جهة مصر، هوذا الرب راكب على سحابة سريعة، وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من جهة، ويذوب قلب مصر داخلها”، وأيضًا: “في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر، وعمود للرب عند تخمها”. وأوضح الأنبا إرميا أن السحابة التي أشارت إليها النبوة هي السيدة العذراء، وأن كل مكان زارته العائلة المقدسة في مصر شهد سقوط الأوثان. وأضاف أن مذبح الرب أقيم في وسط أرض مصر في دير السيدة العذراء (المحرق) في القوصية بأسيوط، أما العمود الذي عند تخوم مصر فهو منارة كنيسة الإسكندرية التي أسسها القديس مرقس الرسول في القرن الأول الميلادي.
فيما يتعلق بالمكانة الدينية التي تتمتع بها مصر، أشار الأنبا إرميا إلى أن مصر هي البلد الوحيد في العالم الذي احتضن الأنبياء. فقد جاء إليها إبراهيم أبو الآباء، ويعقوب وبنوه، ويوسف الصديق، وولد فيها موسى النبي، وعاش فيها بنو إسرائيل حوالي 400 سنة. كما أن سليمان الحكيم صاهر فرعون مصر وتزوج ابنته. واستشهد إرميا النبي في مصر وقبره موجود في مدينة المحلة الكبرى. وقد زارت العائلة المقدسة هذا المكان، وأقامت في سمنود لبضعة أيام، وباركت منطقة مريوط ووادي النطرون، وأخذت مركبًا من المعادي، حيث وجد هناك الكتاب المقدس طافيًا على مياه النيل في عام 1976.
وأشار الأنبا إرميا إلى أن السيدة العذراء مريم نالت بركات السماء واستحقت لقب “السماء الثانية”، مؤكدًا أنها كانت مثالًا للطهارة والنقاء والثقة الكاملة في الله، وأنه لن تكون هناك امرأة مثلها، حيث تقدسها المسيحية ويكرمها الإسلام، مستشهدًا بالآية القرآنية: “فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين”.
واختتم الأنبا إرميا كلمته بالإشارة إلى عمق العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر، موضحًا العلاقات الوثيقة بين الكنيسة والأزهر الشريف، وخاصة مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر. وتحدث عن تجربة “بيت العائلة المصرية” التي يشغل الأنبا إرميا منصب الأمين العام المساعد لها، وأشاد بوثيقة “الأخوة الإنسانية” التي وقعها البابا فرنسيس والإمام الأكبر في أبو ظبي عام 2019.
يُذكر أن المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي قد أنتج فيلمًا وثائقيًا عن “رحلة العائلة المقدسة”، استغرق إعداده ثلاث سنوات، وتمت ترجمته إلى عدة لغات من بينها الإيطالية. وقد عُرضت مقتطفات من هذا الفيلم في معرض “رحلة العائلة المقدسة” ضمن فعاليات لقاء ريميني الدولي، وحظي المعرض بزيارة آلاف الزوار الذين أعرب الكثير منهم عن رغبتهم في زيارة مسار العائلة المقدسة في مصر. وعلى هامش المعرض، استقبل نيافة الأنبا إرميا عددًا من الشخصيات العامة الثقافية والدينية الذين زاروا المعرض. كما ترأس قداس عيد السيدة العذراء في مدينة ريميني، بمشاركة القمص داوود النقلوني، وحضر القداس أبناء الكنيسة القبطية في مدينتي ريميني وبولونيا، اللتين تتبعان إيبارشية روما للكنيسة القبطية التي يرأسها الأنبا برنابا.