بلدياتي مؤسس حركة مدارس الأحد، الأرشيدياكون حبيب جرجس، هو باعث نهضة الكنيسة القبطية. ينتمي حبيب جرجس إلى قريتي أولاد إلياس التابعة لمحافظة أسيوط، وقريتنا تفتخر به وتعتبره أحد أبنائها البارزين. وهو من عائلة قبطية تُدعى “الشرابية”، وهي عائلة كبيرة ومشتق اسمها من “الشاروبيم”. وأعرف أن جدتي لأمي قريبة لعائلة الشرابية، لكن جد حبيب جرجس سافر إلى القاهرة واستقر بها، حيث تزوج وأنجب ابنه جرجس، الذي أنجب بدوره حبيب جرجس.
حسب معلوماتي من أولاد عمومة حبيب جرجس، فقد حضر إلى قريتنا والتقى بأقاربه وعائلته في عدة زيارات. ولديه ثلاث فنانين في فن الأيقونة القبطية، وهم : الشقيقان هاني وفيكتور يونان، والمتألق نصري لمعي، الذين يواصلون مسيرته في الحفاظ على تاريخ الكنيسة من خلال أيقوناتها الزيتية وفنون رسم الأيقونة الأخرى.
حبيب جرجس، تلك الشخصية العظيمة التي نشأت في كنف أسرة متدينة، والتي غُرِس فيها حب الكنيسة منذ سن مبكرة، كانت بداية مسيرته الدينية حافلة بالأمل والإلهام. في عام 1893، التحق بأول دفعة في الكلية الإكليريكية بعد إعادة إحيائها، ليبدأ رحلة استثنائية تمتد لأكثر من نصف قرن في خدمة الدين والتعليم.
منذ لحظاته الأولى في الكلية، تجلى حماسه الكبير في شغفه بالتعلم والتعليم. لم يكن مجرد طالب متفوق، بل بدأ في تدريس زملائه الطلاب وهو لا يزال طالبًا، مما يعكس حبه العميق للتعليم. هذا الشغف قاده إلى أن يصبح ناظرًا للكلية، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته، حيث كان يشع حيوية وإلهاماً لكل من حوله.
في فترة شهدت الكنيسة القبطية ضعفًا شديدًا، حيث كانت تفتقر إلى الوعاظ المؤهلين والمناهج التعليمية، ارتقى حبيب جرجس بمبادرة عظيمة لإنشاء مدارس الأحد. بدأت الفكرة في القاهرة، ثم انتشرت لتشمل القرى والمناطق النائية، لتصبح مدارس الأحد جزءًا أساسيًا من الحياة الكنيسة في مصر. من خلال هذه المدارس، ساهم حبيب جرجس في تعليم آلاف الأطفال والشباب مبادئ الدين المسيحي، مهيئًا أجيالاً جديدة من المؤمنين.
لكن تأثير حبيب جرجس لم يقتصر على مدارس الأحد فقط. فقد عمل على إحياء الكلية الإكليريكية، في فترة كانت الكنيسة فيها تفتقر إلى مبانٍ صالحة. بفضل جهوده، تم شراء قطعة أرض واسعة في القاهرة، وبُنيت مبانٍ جديدة تضم مكتبة وكنيسة داخلية. ولم يقتصر دوره هنا، بل أسس أيضًا معهد العرفاء لإعداد مدرسين ومعلمين للدين، مما يعكس التزامه العميق بتطوير التعليم الديني.
كما كان حبيب جرجس رجل علم ومعرفة، أدرك أهمية المناهج الدينية المحكمة. ألف العديد من الكتب القيمة التي تُدرّس حتى اليوم في مدارس الأحد والكلية الإكليريكية، مثل “أسرار الكنيسة السبعة”، و”الصخرة الأرثوذكسية”، و”مارمرقس الرسول”. هذه الكتب شكلت فهماً عميقاً للدين المسيحي وفقاً للعقيدة الأرثوذكسية. إلى جانب التأليف، أسس مجلة “الكرمة”، التي قدمت مقالات دينية عالية المستوى وترجمات لأقوال الآباء القديسين، مما ساعد على رفع مستوى الثقافة الدينية لدى الأقباط في مصر.
ختامًا، كان حبيب جرجس شخصية محورية في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فقد أسس حركة مدارس الأحد، وأعاد إحياء الكلية الإكليريكية، وكتب العديد من الكتب والمجلات. ترك إرثًا خالدًا للأجيال القادمة، وذكراه تظل نبراساً يضيء درب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مستمدةً من إرثه الروحي والعلمي القوة للمضي قدمًا في خدمة الله والإنسانية.