في أحدث ظهور له، شن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما هجومًا شديدًا ضد المرشح الرئاسي دونالد ترامب، واصفًا إياه بأنه “ملياردير يبلغ من العمر 78 عامًا لم يتوقف عن التذمر بشأن مشاكله منذ أن ركب سلمه المتحرك الذهبي قبل تسع سنوات وأعلن ترشحه للرئاسة”.
هذه الانتقادات ليست مجرد كلمات عابرة، بل تعكس حجم الغضب والاستياء الذي يشعر به أوباما تجاه سلوك ترامب وتوجهاته السياسية. منذ اللحظة التي أعلن فيها ترامب ترشحه للرئاسة في 2015، كان هناك شعور عام بين العديد من الأميركيين بأن هذا المرشح غير تقليدي في كل شيء؛ من أسلوبه في التحدث إلى استراتيجيته الانتخابية. لكن بالنسبة لأوباما، فإن هذا “غير التقليدي” تجاوز كل حدود المعقول.
أوباما لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمر في تبيان سلوكيات ترامب التي وصفها بأنها غير لائقة بمقام رئيس الولايات المتحدة. “الألقاب الطفولية التي يطلقها، ونظريات المؤامرة المجنونة، وهوسه الغريب بأحجام الحشود والجماهير”، هي بعض من الأمثلة التي أشار إليها أوباما. فمنذ تولي ترامب للرئاسة وحتى بعد مغادرته البيت الأبيض، أظهر ميلًا واضحًا لاستخدام لغة تفتقر إلى الجدية وتغذي الانقسام بين المواطنين، وهو ما اعتبره أوباما أمرًا خطيرًا على مستقبل الديمقراطية الأميركية.
ترامب، من جانبه، لم يتوقف يومًا عن الشكوى والتذمر من خصومه السياسيين، الإعلام، وحتى من المؤسسات الحكومية التي من المفترض أن تحمي حقوق المواطنين وتحافظ على نزاهة النظام السياسي. ولكن وفقًا لأوباما، فإن “التدفق المستمر لشكاوى والمظالم من ترامب أصبح أسوأ الآن بعد أن أصبح خائفًا من الخسارة أمام كامالا”، مشيرًا إلى نائبة الرئيس كامالا هاريس.
إن اتهامات أوباما لترامب بالتذمر المستمر تعكس أيضًا قلقه من تأثير هذا السلوك على شعبية ترامب بين قواعده الانتخابية. فبينما يرى العديد من المواطنين الأميركيين أن ترامب يمثل صوتًا للمعارضة السياسية، فإن أوباما ينظر إليه على أنه رمز للانقسام والتفكك.
الأمر الذي يزيد من تعقيد الوضع هو أن ترامب لم يتراجع عن أسلوبه الهجومي والمثير للجدل حتى بعد مغادرته للبيت الأبيض. بل على العكس، استمر في إثارة الجدل والانتقادات من خلال منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي وخطاباته السياسية. هذا الوضع، بحسب أوباما، لا يخدم الديمقراطية الأميركية بل يهددها بشكل مباشر.
من جهة أخرى، تعتبر هذه الانتقادات جزءًا من الحملة الانتخابية التي تشهدها الولايات المتحدة استعدادًا للانتخابات الرئاسية القادمة. ففي الوقت الذي يحاول فيه الديمقراطيون إعادة التوازن إلى المشهد السياسي، يسعى ترامب للعودة إلى البيت الأبيض مستخدمًا ذات الأساليب التي اتبعها في حملته الأولى.
ومع تزايد حدة الخطاب السياسي، يبدو أن المواجهة بين أوباما وترامب ليست مجرد خلاف سياسي عادي، بل صراع على مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة. ففي نظر أوباما، ترامب يمثل تهديدًا لكل ما تم تحقيقه من إنجازات في فترة رئاسته وما بعدها، بينما يرى ترامب أن أوباما يمثل نخبة سياسية فقدت الاتصال مع الشارع الأميركي.
في النهاية، يعكس هذا الهجوم العنيف من أوباما شعورًا عميقًا بالقلق حول مستقبل البلاد تحت قيادة ترامب، وهو قلق يتشاركه العديد من الديمقراطيين والمستقلين. وفي حين أن الانتخابات القادمة ستحدد الفائز والخاسر في هذا الصراع، فإن مستقبل الديمقراطية الأميركية سيكون هو الرهان الحقيقي.