عندما نتحدث عن “أم النور”، فإننا نتحدث عن رمز مقدس ومحبوب لدى الجميع، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين. السيدة العذراء مريم، أم النور وخير نساء العالمين، تجمع في شخصها قداسة وعظمة تمتد عبر الأديان والثقافات.
السيدة العذراء مريم، تلك المرأة التي اختارها الله لتكون أمًا للمسيح، تميزت بحياة مليئة بالإيمان والتضحية. وُلدت مريم في بيت يهودي متدين في الناصرة، وقضت طفولتها في الهيكل، حيث تربت على قيم الإيمان والخدمة. عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها، تم خطبتها ليوسف النجار، الرجل البار الذي حماها وساندها طوال حياتها.
عاشت العذراء مريم في بيت يوسف النجار نحو 30 عامًا، كانت فيها الأم الحانية والمعلمة الحكيمة ليسوع المسيح. خلال هذه السنوات، عاشت مريم حياة مليئة بالحب والإيمان، وواجهت تحديات كبيرة بثبات وإيمان عميق. بعد صعود المسيح، بقيت مريم مع التلاميذ، تدعمهم وتشاركهم في نشر رسالة المسيح، حتى وفاتها.
بعد وفاتها، وضعها التلاميذ في قبر بأورشليم، ولكن جسدها لم يبقَ هناك طويلاً. بعد ثلاثة أيام، اكتشف التلاميذ أن جسدها قد اختفى، فأقاموا صلوات وصيامًا لمدة 15 يومًا ليظهر لهم الرب مكان جسدها. ووفقًا للتقاليد المسيحية، أُظهر لهم الرب مشهدًا لصعود جسدها إلى السماء وسط تسابيح عظيمة. وقد أخذ توما أحد تلاميذ المسيح، زنارها ليكون دليلًا على هذا الحدث المعجزي، ويُعتقد أن هذا الزنار محفوظ الآن في حمص، سوريا.
تُعرف السيدة العذراء بالعديد من الألقاب، مثل أم النور، مفرحة القلوب، الممتلئة نعمة، باب السماء، السماء الثانية، فخر جنسنا، وفخر العذراء. هذه الألقاب تعكس الاحترام والتقدير الكبير الذي تحظى به مريم في قلوب المؤمنين في كل مكان وزمان.
لقد ورد ذكر السيدة العذراء مريم في العديد من الكتب السماوية، مما يعكس مكانتها الخاصة والعظيمة. في القرآن الكريم، ورد ذكرها في العديد من السور مثل البقرة، مريم، النساء، المائدة، المؤمنون، وآل عمران. وقد ذكرت 34 مرة، مما يبرز مكانتها المتميزة كأم للنبي عيسى (يسوع). يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين” (آل عمران: 42). هذا النص القرآني يشير إلى مكانة مريم العظيمة واصطفاء الله لها بين نساء العالم.
في التوراة، نجد الإشارة إلى العذراء مريم في نبوءة النبي إشعياء: “ها إن العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا” (إشعياء 13: 7). هذه النبوءة التي تحققت في ميلاد يسوع المسيح من العذراء مريم، تشير إلى أهمية مريم ودورها المركزي في خطة الله للخلاص.
أما في الإنجيل، فقد ورد في إنجيل لوقا: “نظر إلى تواضع أمته، فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال، لأن القدير صنع بي العظائم” (لوقا 46: 1). هذا النص يعكس تقدير الكنيسة لمريم، باعتبارها أم المسيح، والمرأة التي اختارها الله لتحقيق إرادته العظيمة.
مريم العذراء ليست فقط رمزًا دينيًا، بل هي أيضًا رمز للوحدة والتعايش بين الأديان. في مصر، يُحتفل بها في صوم السيدة العذراء مريم الذي يستمر لمدة 15 يومًا، حيث يتوجه العديد من المسلمين والمسيحيين على حد سواء إلى الكنائس لتقديم الصلوات وطلب الشفاعة. هذا التقليد يبرز الوحدة الوطنية والتلاحم بين مختلف الطوائف في مصر، ويؤكد على الاحترام المتبادل بين أبناء الوطن الواحد.
مع اقتراب نهاية صوم السيدة العذراء مريم، نتوجه إليها بطلب وتضرع أن تسكب نور السلام على العالم، وأن تغمرنا بالخير والمحبة والبركة. في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العالم اليوم، نحن بحاجة إلى دعم روحاني يعيد لنا الأمل ويقوي إيماننا بأن الخير سيغلب في النهاية.
إن السيدة العذراء مريم هي أم النور، وهي رمز للأمل والمحبة والإيمان. دعونا نتعلم من حياتها كيف نعيش بإيمان وثبات، وكيف نخدم الآخرين بمحبة وعطاء، وكيف نتمسك بالأمل حتى في أصعب الظروف.