خلال العقدين الماضيين، مرت مصر بتحولات كبيرة في مختلف المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية. منذ عام 2011، وحتى الان ،و سعت الحكومات المتعاقبة إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للمصريين.
في هذه الدراسة، سنقوم بمقارنة شاملة بين وضع المصريين في عام 2011 والوضع الحالي في عام 2024، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، والبنية التحتية.
الوضع الاقتصادي
الاقتصاد في عام 2011
في عام 2011، كانت مصر تعاني من العديد من المشاكل الاقتصادية الهيكلية. من أبرز هذه المشاكل ارتفاع معدل البطالة، والذي بلغ حوالي 12%، ما أدى إلى زيادة الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي.
كان الاقتصاد يعاني من تباطؤ في النمو، حيث تراوح معدل النمو الاقتصادي بين 1.8% إلى 2.2% فقط. بالإضافة إلى ذلك، كانت مصر تعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي للعديد من السلع الأساسية، مما زاد من الضغط على ميزانية الدولة التي كانت تعاني من عجز كبير.
الاحتياطي النقدي كان في مستويات متدنية، حيث بلغ حوالي 36 مليار دولار قبل أن يتراجع بشكل كبير نتيجة للاضطرابات التي شهدتها البلاد بعد الثورة.
الاقتصاد في عام 2024
على مدار السنوات الماضية، شهد الاقتصاد المصري تحسناً ملحوظاً نتيجة للإصلاحات الاقتصادية التي بدأت في عام 2016، والتي شملت تحرير سعر الصرف، وإعادة هيكلة الدعم، وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية. بحلول عام 2024، ارتفع معدل النمو الاقتصادي ليصل إلى حوالي 4.5% مع توقعات بأن يتجاوز 5% في السنوات القادمة. هذه النسب تعكس انتعاشاً اقتصادياً بعد فترات من التحديات، خصوصاً بعد جائحة كورونا التي أثرت على الاقتصاد العالمي.
الاحتياطي النقدي ارتفع ليصل إلى حوالي 46 مليار دولار، مما منح الدولة القدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية المحتملة وتعزيز الاستقرار المالي. معدل البطالة انخفض إلى حوالي 7.5%، وذلك بفضل العديد من المشاريع القومية الكبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة، ومشاريع تطوير شبكة الطرق والكباري، التي ساهمت في خلق فرص عمل جديدة.
تسعى الحكومة تقليل نسب الفقر من خلال برامج الدعم المباشر مثل “تكافل وكرامة” التي توفر مساعدات مالية للفئات الأكثر احتياجاً. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الحكومة على تحسين مناخ الأعمال من خلال تشجيع الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وهو ما ساهم في زيادة عدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
الوضع الاجتماعي والصحي
الوضع الاجتماعي والصحي في عام 2011
في عام 2011، كانت مصر تواجه تحديات اجتماعية وصحية كبيرة. البنية التحتية الصحية كانت ضعيفة، مع نقص في عدد المستشفيات والتجهيزات الطبية. كانت الرعاية الصحية تعاني من نقص التمويل وسوء الإدارة، مما جعل الوصول إلى الخدمات الصحية الجيدة صعباً على معظم المواطنين. في نفس الوقت، كانت معدلات الأمية مرتفعة نسبياً، وجودة التعليم العام تعاني من تدهور واضح.
التفاوت الاجتماعي كان واضحاً، حيث كانت الفجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد يوماً بعد يوم. الاعتماد الكبير على الدعم الحكومي للسلع الأساسية كان يعكس مدى الفقر الذي كان يعاني منه جزء كبير من السكان.
الوضع الاجتماعي والصحي في عام 2024
في عام 2024، شهدت مصر تحسناً ملموساً في قطاعي الصحة والتعليم، وذلك بفضل الاستثمارات الحكومية في هذه المجالات. تم إطلاق مبادرات صحية كبرى مثل “100 مليون صحة” التي تهدف إلى الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة وعلاجها، ومبادرة “قوائم الانتظار” التي تهدف إلى تقليل فترات الانتظار للعمليات الجراحية الحرجة. هذه المبادرات ساهمت في تحسين جودة الرعاية الصحية وزيادة عدد المستفيدين منها.
من ناحية التعليم، قامت الحكومة بتحديث المناهج التعليمية وتطوير البنية التحتية للمدارس، بالإضافة إلى توفير الأجهزة اللوحية للطلاب في بعض المراحل الدراسية لتعزيز التعليم الرقمي.
في المجال الاجتماعي، أطلقت الحكومة برامج متعددة تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر احتياجاً. بالإضافة إلى برامج الدعم النقدي مثل “تكافل وكرامة”، هناك جهود لتمكين المرأة والشباب من خلال توفير فرص عمل وتدريب مهني.
البنية التحتية والمشروعات القومية
البنية التحتية في عام 2011
في عام 2011، كانت البنية التحتية في مصر تعاني من إهمال طويل الأمد. كانت شبكات الطرق غير محدثة وتعاني من تدهور واضح، وكانت شبكة السكك الحديدية غير كافية لتلبية احتياجات النقل الداخلي. كذلك، كانت مشكلات انقطاع الكهرباء ونقص المياه النظيفة من التحديات اليومية التي تواجهها العديد من المدن والقرى.
البنية التحتية في عام 2024
شهدت البنية التحتية في مصر تطوراً كبيراً خلال السنوات الماضية. أطلقت الحكومة العديد من المشاريع القومية الكبرى التي تهدف إلى تحسين شبكات النقل والكهرباء والمياه. تم تطوير شبكة الطرق والكباري بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى إنشاء شبكة جديدة من الطرق السريعة التي تربط بين المدن والمحافظات المختلفة، مما ساهم في تقليل وقت السفر وتحسين حركة التجارة الداخلية.
في قطاع الطاقة، تم تعزيز شبكة الكهرباء من خلال إنشاء محطات توليد جديدة، بما في ذلك محطات الطاقة الشمسية والرياح، مما أدى إلى القضاء على مشكلة انقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، تم توصيل الغاز الطبيعي إلى مناطق جديدة، بما في ذلك بعض المناطق الصناعية، مما أسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين وتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي.
من بين المشاريع الكبرى الأخرى مشروع “محور قناة السويس”، الذي يهدف إلى تحويل منطقة القناة إلى مركز اقتصادي عالمي من خلال إنشاء مناطق صناعية وتجارية جديدة، بالإضافة إلى تطوير الموانئ والبنية التحتية البحرية.
التحول الرقمي والتكنولوجيا
الوضع التكنولوجي في عام 2011
في عام 2011، كان التحول الرقمي في مصر في مراحله الأولية. كانت البنية التحتية التكنولوجية محدودة، وكانت الإنترنت غير متاحة بشكل واسع في المناطق الريفية، وكان الاعتماد الأكبر على الخدمات الحكومية التقليدية. نسبة استخدام التكنولوجيا في الحياة اليومية كانت منخفضة بشكل عام، حيث كان الوصول إلى الإنترنت والخدمات الإلكترونية محدودًا.
التحول الرقمي في عام 2024
مع حلول عام 2024، شهدت مصر تحولًا كبيرًا نحو الرقمية. تم إطلاق عدة مبادرات حكومية تهدف إلى تحسين الخدمات الحكومية من خلال الإنترنت، مثل “بوابة مصر الرقمية” التي تتيح للمواطنين الحصول على الخدمات الحكومية بشكل إلكتروني. هذه البوابة الرقمية ساعدت في تسهيل الوصول إلى الخدمات الحكومية، مما قلل من البيروقراطية وحسّن من جودة الخدمة العامة.
في مجال التعليم، تم تعزيز التعليم الرقمي من خلال توفير الأجهزة اللوحية للطلاب في بعض المراحل الدراسية، وتطوير منصات تعليمية على الإنترنت تتيح للطلاب الوصول إلى المحتوى التعليمي من أي مكان. هذه التحسينات ساعدت في تقليل الفجوة بين المدن والقرى من حيث الوصول إلى التعليم الجيد.
الخاتمة
عند مقارنة الوضع في عام 2011 بالوضع الحالي في عام 2024، نجد أن مصر قد قطعت شوطًا طويلاً نحو التحسين والتنمية في مختلف المجالات. على الرغم من التحديات الكبيرة التي لا تزال تواجهها البلاد، مثل ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وارتفاع تكلفة المعيشة، إلا أن هناك جهودًا ملموسة لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية. التطورات في البنية التحتية، وزيادة الاستثمارات في الصحة والتعليم، والتحول الرقمي، كلها مؤشرات على أن مصر تتحرك نحو مستقبل أكثر استقرارًا وتقدمًا.
اللواء الدكتور ممدوح شفيق النحاس .. ضابط سابق بالقوات المسلحة
مؤسس ورئيس حزب مصر اد الدنيا تحت التاسيس