فيلم “الملحد” والخوف المرضي من النقد الاجتماعي من المعجبين بإبراهيم عيسى وهو بالنسبة لي ليس مفكراً من الوزن الثقيل يطرح أفكارا عميقة جديرة بالتأمل والمناقشة، هو صنايعي شاطر تربي في واحدة من مدارس صحافة الإثارة الشهيرة في مصر ويجيد هذا النوع من الصحافة الذي فُتحت له أبواب السينما ومنصات إعلامية كبرى لإثارة موضوعات تثير الجدل وتستفز الجمهور الواسع، لكن مع هذا الاستفزاز غالبا ما يترك الموضوع وينصرف إلى الطعن في شخص من يطرحه..طالعت صباح اليوم موضوعاً منشوراً على موقع “الحرية” حول الجدل الذي أشعلته مقاطع ترويجية أذاعها عيسى لفيلمه الجديد “الملحد”، لم أر الفيلم الجديد بعد لكني شاهدت فيلم “مولانا” و”صاحب المقام” وهما عملان روائيان مكتوبان بأسلوب صحفي، للكاتب الصحفي الذي استهل هذا الطريق برواية عن “دم الحسين”، الذي أظن أنه لن يظهر على شاشة السينما في أي وقت قريب، لأسباب سياسية وفكرية. فيلم “مولانا” عن خطيب مسجد خطبه مثير للجدل ومستفزة للسلطة ويناقش فكرة أعمق عن موضوع الطائفية. وفكرة فيلم “صاحب المقام” مستوحاة من دراسة عميقة في الاجتماع أجراها الراحل الدكتور سيد عويس، عميد الدراسات الاجتماعية في مصر وأول رئيس للمجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الذي كان من بين مؤسسيه، عن رسائل المصريين التي يكتبونها على ضريح الإمام الشافعي. ناقش الفيلم عقيدة راسخة في نفوس كثير من المصريين بخصوص الأضرحة ومقامات الأولياء، قبل سنوات قليلة من التوسع في هدمها مع هدم مقابر ونقلها في سياق مخططات عمرانية كبيرة، وهي عمليات أحدثت جدلا كبيرا لا يزال مستمرا إلى اليوم. ولم يلتفت كثير ممن شاهدوا فيلم صاحب المقام لهذا المغزى، ولم ينقل للمشاهدين مصدر فكرة كتابة رسائل للأولياء، التي هي استمرار لعقيدة الشفيع المتوارثة من مصر القديمة.لكنه في النهاية صنايعي شاطر، كما ذكرت، وجرى توظيف ما لديه من مهارات في عمل درامي كتبت مشيدا به، هو مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي ناقش واقع الأحوال الشخصية المرير بسبب قوانين عقيمة جرت محاولات كثيرة لإصلاحها لكن سرعان ما يتم التراجع عن تلك الإصلاحات، خضوعا للبنية الثقافية المحافظة والرجعية في مجتمع يتحلل أخلاقيا بسبب البطالة وانتشار المخدرات وزحف التكتك وما يمثله كل من تغيرات ثقافية تؤثر في سلوك الناس وتصرفاتهم.النقطة الأخيرة بالذات هي التي يمكن استخلاصها من تحليل لتوجهات وآراء منتقدي فيلم الملحد على السوشيال ميديا.. مرة أخرى لم يدرك الجمهور الرسالة التي يتضمنها الفيلم من واقع المقاطع الترويجية التي اختارها المؤلف والتي من الواضح أنها تناقش تأثير التربية المتشددة والمتزمتة التي يتلقاها النشء في الأسر المصرية المحافظة على قيمهم الدينية وارتباط هذه القيم بالسلوك.. أعرف حالات كثيرة لشبان كانت لهم تجربة في الإلحاد في مرحلة ما من عمرهم غالبا ما تكون في بداية مرحلة الشباب كنوع من التمرد على السلوك المتشدد والمتزمت الذي تسلكه الأسر. بالمناسبة تعرفت شخصيا على حالات شبان نشأوا في أسر كانت تنتمي لليسار الشيوعي، جنحوا إلى التشدد الديني، أيضا كنوع من التمرد على الأسرة.أريد من هذا البوست أن آخذ النقاش حول الفيلم إلى منطقة أخرى أعمق تتعلق بأنماط التربية في مجتمع ذكوري تتحكم فيه الثقافة الأبوية المحافظة لفتح نقاش واسع حول أساليب التربية العقيمة التي لم تتطور لتواكب التحولات العنيفة التي شهدتها بنية المجتمع بسبب التطورات التكنولوجيا وتأثيرها المباشر على العلاقات الاجتماعية والتفاعلات الإنسانية، وهذا الجمود وعدم المرونة استجابة للمتغيرات هو السبب الرئيسي المباشر وراء التشوهات في الشخصية التي نرى مظاهرها السلوكية في الشارع وعلى المقهي وفي النوادي والجامعات والتي أظهرت في مرحلة ما الدكتور أحمد عكاشة، عالم النفس المصري، الذي شغل منصب رئيس الجمعية الدولية للطب النفسي في كتابه المهم “ثقوب في الضمير المصري”، الذي أدعوكم لقراءته ودراسته، وهي السبب الرئيسي في حالة الفصام وازدواج الشخصية التي نعاني منها. إننا بحاجة إلى نقاش واسع حول أسلوب أو أساليب تربيتنا كأسر وكمؤسسات للتنشئة في مقدمتها المدارس..