طنين الذباب الإلكترونى يحط فوق رأس العلامة السير «مجدى يعقوب»، بصورة مزيفة للدكتور يحمل شهادة مدونًا عليها «أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله»، وزعم مروجو الصورة أن الدكتور أسلم.. تكبير تهليل.
الصورة الأصلية كانت للدكتور «يعقوب» وهو يحتفل بأقدم مريض زرع له قلبًا، «ديفيد آجات»، (٩٠ عامًا)، وحمل يعقوب فى الصورة لافتة كُتب عليها «عيد ميلاد سعيد ديفيد»، إلا أن مروجى الصورة المزيفة، فى غباء واستغباء، عدّلوا فى الصورة، واستبدلوا بلافتة التهنئة بعيد الميلاد، لافتة مكتوبًا عليها الشهادة.
قبّح الله وجوهكم، الواغش ملأ الفضاء الإلكترونى، والمقصود بالواغش حشرات ضئيلة ضارة، لها صوت يُقال له «الحترشة»، ما نسمعه من قبيل الحترشة، بعد استهلاك سؤال هل يدخل السير يعقوب الجنة؟.. قرروا إسلامه، أسلموه للقبلة، ناقص ينشرون صورة للسير ملتحيًا.
غريب أمرهم، السير يعقوب بسيرته الحسنة وحسن أعماله عامل لهم هسهس فى عقولهم الخفيفة، يحطون عليه كل حين، والرجل فى قلايته (مستشفاه) يتعبد ربه ببلسمة القلوب المتعبة.
عمومًا، فرصة سنحت للتعبير عن المحبة التى يحوزها الحكيم يعقوب، مَن يحبه ربه يُحبِّب فيه خلقه، وخلق كثير يحبون يعقوب لله فى لله.
ما تيسر من سيرته، مسيحى أرثوذكسى، مصرى حتى النخاع، شرقاوى من بلبيس، درس الطب فى
جامعة القاهرة، قبل أن يرحل إلى شيكاغو، ثم انتقل إلى بريطانيا فى عام ١٩٦٢ فى رحلة عمل عنوانها الأمل.
دوائر المعارف الإنسانية تفرد صفحاتها لمنجز السير يعقوب الطبى، ليس لديانته، وفيها كثير من الإبداعات التى تشبه المعجزات، والسطور لا تتسع لرحلته الطبية الطويلة مع القلوب العليلة.
يعقوب جراح استثنائى، صمته بليغ، وابتسامته لطيفة، وتواضعه يخجل منه التواضع، ومحبته تفيض على الروابى، وفى إخلاصه العلنى لرسالته كراهب يخلص العبادة سرًّا فى قلايته.
ينشر سلاسل الأمل، يُصلح ما أفسده الدهر فى قلوب الصغار، الكبير يُصلح القلوب الصغيرة، يستعيض عن فتح عقول الكبار للخير والمحبة والسلام بعلاج قلوب الصغار.. لعل وعسى، العقول الكبيرة تيبست، القلوب الصغيرة تخفق بالأمل، يخفق قلب يعقوب سعادة مع خفقة فى بطين طفل طالبًا الحياة.
قبلة الحياة هى ما يدخره يعقوب لصغار الوطن، ويُعقبها بالشكر: «أنا بشكر كل واحد فيكم»، لطيف سير يعقوب، الطب عند السير يعقوب رسالة سامية.
لم يدخل فى معارك جانبية، لا طائفية ولا عنصرية ولا حزبية، متفرغًا لعبادته الربانية فى غرفة العمليات، عكس كثيرين.. يخلطون تخليطًا بين الطب والدين.
عنوانه السماحة، متسامح مع نفسه، ومع الناس، ما استبطن كيدًا، ولا استحلب مرارة، ولا بات موتورًا.
ورغم هجرته المبكرة هربًا بموهبته من المتعصبين سعيًا وراء حلمه، نفذ حلم عمره، وحلم عمر يعقوب أن يعالج قلوب أطفال مصر، يا له من حلم جميل.
السير الطيب لم يزاحم أحدًا، اتخذ مكانًا قصِيًّا، فى أسوان بعيدًا عن زحام القاهرة، ولم يفتح مستشفى استثماريًّا، ولا تعاطَى مع الطبيين، يُقبل الأطفال السمر بمحبة، ويُريحهم من العذابات بمبضع الجراح.
هناك، بعيدًا عن الواغش، يُقيم كراهب فى قلايته، ويرتدى لباس العمليات، ويضع الكمامة على أنفه، ويمسك مبضعه ويغرسه فى القلوب شافيًا بإذن الله.