موقع بنغلاديش وتاريخها السياسي
تقع بنغلاديش في شبه الجزيرة الهندية، محاطة بالهند والصين، وكانت حتى عام 1947 جزءًا من الهند البريطانية. بعد خروج الاحتلال البريطاني من الهند، تم تقسيم البلاد إلى دولتين: الهند ذات الأغلبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة، مما أدى إلى ولادة باكستان التي كانت تتألف من إقليمين: باكستان الغربية وباكستان الشرقية.
انفصال بنغلاديش: تدخلات خارجية ونزاع دولي
في عام 1971، شهدت باكستان الشرقية تمردًا مدعومًا من الهند، أدى إلى حرب عسكرية واسعة بين الهند، المدعومة من الاتحاد السوفيتي، وباكستان المدعومة من الولايات المتحدة. انتهت الحرب بفصل إقليم باكستان الشرقية وتحويله إلى دولة مستقلة تحت اسم بنغلاديش. قاد هذا الاستقلال السياسي مجيب الرحمن، الذي أصبح أول رئيس لبنغلاديش، وهو والد الشيخة حسينة، الرئيسة الحالية للبلاد.
استمرار الصراع بعد الاستقلال
لكن الأمور لم تستقر؛ حيث اغتيل مجيب الرحمن في عام 1975 بعد أن تحالف مع الهند على حساب القوى الغربية والباكستانية. تولى السلطة بعدها الجنرال ضياء الرحمن، الذي كان يميل نحو باكستان والولايات المتحدة، وأصبح زوج الشيخة خالدة ضياء، زعيمة المعارضة الحالية. ومع ذلك، لم يتوقف الصراع السياسي بين العائلتين المهيمنتين، بل أصبح أداة لتدخلات القوى الخارجية وتحقيق أجنداتها.
الصراع السياسي بين العائلتين: امتداد لأجندات خارجية
منذ انقلاب عام 1981 الذي دعمه الهند وانتهى بمقتل الجنرال ضياء الرحمن، أصبحت بنغلاديش ملعبًا للصراع بالوكالة بين الهند وباكستان. تمثل هذا الصراع بين عائلتين: عائلة مجيب الرحمن الموالية للهند، وعائلة ضياء الرحمن الموالية لباكستان. هذا النزاع لم يكن فقط صراعًا على السلطة، بل كان جزءًا من لعبة الأمم الكبرى بين القوى الإقليمية والدولية، حيث استمرت الفوضى لأكثر من 50 عامًا، تنقلت خلالها السلطة بين العائلتين، مع إقصاء وسجن ونفي متبادل بين الشيخة حسينة واجد والشيخة خالدة ضياء.
الفوضى الحالية: دور جماعة الإخوان والتنظيمات المتحالفة
في هذا السياق، استخدمت الولايات المتحدة وباكستان جماعة الإخوان المسلمين في بنغلاديش، الذين كانوا دائمًا معارضين للحكومات الموالية للهند، كأداة لتحقيق أهدافهم. تحالفت الجماعة الإسلامية، الذراع البنغالي للإخوان، مع المعارضة بقيادة الشيخة خالدة ضياء ضد حكومة الشيخة حسينة، مستغلين الأزمة الاقتصادية العالمية والأزمات الداخلية لزرع الفوضى وإشعال الاحتجاجات. بدأ السيناريو بموجة من الشائعات والتحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تطور الأمر إلى تنظيم مظاهرات حاشدة، واستدعاء شخصيات معارضة من الخارج، وحتى إسقاط تمثال مؤسس بنغلاديش مجيب الرحمن، في مشهد يذكرنا بإسقاط تماثيل القادة الشيوعيين في أوروبا الشرقية أو إسقاط تمثال صدام حسين في العراق.
الفوضى المستمرة: لعبة الأمم تشتعل
الأحداث الجارية في بنغلاديش ليست إلا فصلًا جديدًا من فصول لعبة الأمم. القوى الخارجية لا تزال تلعب دورًا حاسمًا في تحديد مصير البلاد، في محاولة منها للسيطرة على مجريات الأمور وزرع الفوضى. حتى الآن، لا يزال من غير الواضح من سيحكم بنغلاديش في المستقبل، وما إذا كانت الشيخة خالدة ضياء ستعود لرئاسة الحكومة أم أن الهند ستدعم مرشحًا جديدًا. وبينما تستعد الشيخة حسينة لمواجهة التحديات المقبلة، يقوم ابنها ساجيب وازد بإعداد نفسه لوراثة القيادة، تمامًا كما يستعد طارق الرحمن، ابن الشيخة خالدة، ليكون خليفة لأمه في المشهد السياسي.
تداعيات الفوضى: دروس للمصريين
ما يحدث في بنغلاديش ليس بعيدًا عن أعين القوى السياسية في مصر. فإخوان مصر وتنظيمهم المدني من اليساريين والليبراليين تلقوا تعليمات بتوظيف المشهد البنغالي لإشعال الفوضى في مصر، مستغلين تردي الأوضاع الاقتصادية والدعوة لتكرار سيناريو الربيع العربي. لكنهم غفلوا عن وعي الشعب المصري الذي أصبح قادرًا على فهم “لعبة الأمم” التي تدور في بنغلاديش، وإدراك أن ما يحدث هناك هو جزء من مؤامرة خارجية تستخدم فيها الأطراف الداخلية كأدوات لتحقيق أهداف بعيدة عن مصلحة الشعب البنغالي.
كلمة أخيرة: السيادة الوطنية بين المطرقة والسندان
الصراعات الداخلية في بنغلاديش تستغلها قوى خارجية لتفتيت البلاد وتفكيكها، مما يجعل السيادة الوطنية عرضة للخطر. التاريخ يعلمنا أن فقدان الاستقلال الوطني يجعل الدول مجرد مسرح لصراعات خارجية، لا تهتم بمصلحة شعوبها بقدر ما تهتم بتحقيق مصالحها الذاتية. في النهاية، الأمة التي تضيع تحت وطأة الفوضى والصراعات بالوكالة لن تعود مرة أخرى، وستتحول إلى ساحة حرب لا نهاية لها، حيث يكون الشعب هو الضحية الأكبر.