في خضم الصراعات التي تعصف بالشرق الأوسط، تطفو على السطح أدوار بعض الجماعات المسلحة التي تحمل لافتة “المقاومة”، بينما يظل الدور الحقيقي للقوى الوطنية، والجيوش ، عاملًا حاسمًا في الحفاظ على سيادة الدول وردع العدوان الخارجي.
الجيش الوطني: الركيزة الأساسية في حماية الأوطان
لطالما كانت الجيوش الوطنية هي الدرع الواقية التي تحمي حدود الدول وتحافظ على سيادتها. وما يحافظ على استقرار المنطقة، على سبيل المثال، هو قوة جيشها. هذا الجيش هو الذي حال دون أن تفكر إسرائيل حتى في الاقتراب من الأراضي المصرية منذ توقيع اتفاقية السلام في كامب ديفيد عام 1979، والتي أعقبت انتصار الجيش المصري في حرب أكتوبر عام 1973. وفي المقابل، نجد دولاً أخرى كالعراق وسوريا ولبنان واليمن قد أصبحت أهدافًا سهلة لإسرائيل بسبب تدمير جيوشها، إما من خلال الاحتلال الأجنبي أو بسبب تفكك الدولة لصالح الميليشيات المسلحة.
حماس وحزب الله والحوثيون: من مقاومة إلى أدوات إيرانية؟
مع بروز قوى مثل حماس وحزب الله والحوثيين، تزايد الجدل حول طبيعة دورهم. هذه الجماعات، التي تُصنف نفسها كمقاومة، تلقت دعمًا كبيرًا من إيران. ولكن بدلاً من أن تكون هذه المقاومة درعًا يحمي الدول العربية، أصبحت في كثير من الأحيان سلاحًا بيد إيران لزعزعة استقرار تلك الدول.
إيران، ومنذ ثورتها عام 1979، تبنت سياسة تصدير الثورة، والتي لم تقتصر على الجانب الديني بل شملت دعم الجماعات المسلحة في الدول العربية تحت ذريعة المقاومة. ولكن في الواقع، كانت هذه الجماعات أداة لتمزيق النسيج الوطني وإضعاف الجيوش الوطنية. فإيران دعمت حماس في غزة، مما أدى إلى اندلاع صراعات داخلية بين فتح وحماس، وهو ما شق الصف الفلسطيني وأضعف القضية الفلسطينية أمام إسرائيل.
سوريا والعراق واليمن: تاريخ من الفوضى بإمضاء إيراني
في سوريا، بدأت الثورة في عام 2011 بمطالبات شعبية للإصلاح، لكن سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية مع دخول ميليشيات مدعومة من إيران. حزب الله، الذي كان يُنظر إليه سابقًا كمقاومة، دخل الصراع السوري لدعم نظام بشار الأسد، مما أسهم في تقسيم سوريا وتحويلها إلى ساحة حرب بالوكالة بين القوى العالمية والإقليمية.
أما في العراق، فمنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، شهدت البلاد انتشارًا للميليشيات المدعومة من إيران. هذه الميليشيات، التي أضعفت الجيش العراقي، تحولت إلى قوى موازية تتدخل في الشؤون الداخلية وتؤثر على السياسات الحكومية.
وفي اليمن، دعم إيران للحوثيين أدى إلى اشتعال حرب أهلية منذ عام 2015، تقسيم البلاد، وجعلها ساحة صراع إقليمي بين القوى الكبرى.
المقاومة الحقيقية: الجيوش الوطنية أم الميليشيات؟
الحقيقة التي يمكن استخلاصها من تاريخ الصراعات في الشرق الأوسط هي أن المقاومة الحقيقية لا تأتي من ميليشيات مسلحة تتلقى أوامرها من دول خارجية. بل إن حماية سيادة الدول وحماية أراضيها من العدوان الخارجي يكمن في قوة ووحدة الجيوش الوطنية.
إسرائيل، التي تستغل حالة الفوضى في الدول العربية، كانت لتجد نفسها أمام مقاومة حقيقية إذا كانت تلك الدول تمتلك جيوشًا وطنية قوية قادرة على الدفاع عن أراضيها. لكن مع انهيار هذه الجيوش وتحول المقاومة إلى مجموعات مسلحة تدين بالولاء لإيران، أصبحت الأراضي العربية مسرحًا مفتوحًا لإسرائيل.
الدرس المستفاد: الحفاظ على الجيوش الوطنية
ما يحدث اليوم في الدول العربية التي تعاني من الصراعات هو نتيجة مباشرة لتفكيك الجيوش الوطنية. فبدلاً من أن تكون المقاومة أداة للدفاع عن الوطن، أصبحت وسيلة لتمزيقه وإضعافه لصالح قوى خارجية. والدليل على ذلك أن الدول التي لا تزال تحتفظ بجيوش قوية كالسعودية ومصر، لم تتعرض لنفس مستوى التدخل والعدوان الذي تعرضت له الدول المفككة.
ولذلك، فإن الدرس الذي يجب أن نتعلمه من هذه الأحداث هو أن الحفاظ على الجيوش الوطنية هو السبيل الوحيد لحماية السيادة والدفاع عن الأراضي. فالمقاومة الحقيقية تبدأ من الداخل، من قوة الجيوش الوطنية ووحدتها، وليس من الميليشيات المسلحة التي تديرها أجندات خارجية.
خاتمة: بين الحقيقة والوهم
ما تقوم به إيران من دعم للميليشيات تحت ذريعة المقاومة ليس سوى وهم يخفي وراءه أجندات تهدف إلى تفتيت الدول العربية لصالح أهدافها التوسعية. وفي النهاية، فإن من يدفع الثمن هو الشعوب العربية التي تجد نفسها عالقة بين سندان الاحتلال ومطرقة الفوضى.