صموئيل العشاي يجيب:
في ظل سيطرة الأفكار الاستلينية واليسارية على الصحافة الناطقة باللغة العربية، يروج البعض للنظريات التي عفا عليها الزمن وأثبتت فشلها في الدول التي طبقت بها، بينما يواصل العاملون في هذه الصفحات ترديد ذات الشعارات القديمة والخطب الرنانة العصماء على بسطاء الشعب.
يسأل العديد من الناس، عبر وسائل الإعلام المعادية لمصر، سؤالًا مهمًا: هل الحكومة تبيع الممتلكات المصرية من شركات ومصانع وسواحل وأراضٍ برخص التراب؟
الإجابة على هذا السؤال هي أن مصر لديها برنامج للطروحات الحكومية، وهو خطوة نحو تعزيز الاقتصاد المصري. يتصدر هذا البرنامج المشهد كأحد أهم الاستراتيجيات الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الطموحة.
وضع البرنامج في إطار رؤية شاملة تسعى إلى تعظيم قيمة الأصول المملوكة للدولة، وليس التفريط فيها، وذلك من خلال طرح أجزاء من تلك الأصول للاكتتاب العام، مما يعزز قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود والنمو.
تعظيم قيمة الأصول وليس التفريط فيها
أحد الأهداف الرئيسية لهذا البرنامج هو تعظيم قيمة الأصول الحكومية. وعلى عكس ما يروج له الإعلام الاستليني واليساري، لا يهدف البرنامج إلى بيع الأصول الحكومية بهدف التخلي عنها، بل يسعى إلى تحقيق أقصى استفادة من تلك الأصول عبر إدخال القطاع الخاص والشركات العالمية كشركاء في تطويرها. وهذه الخطوة من شأنها أن ترفع من قيمة هذه الأصول على المدى الطويل وتزيد من قدرتها التنافسية.
زيادة إيرادات الدولة من خلال الاستثمارات
البرنامج هو وسيلة مبتكرة لزيادة إيرادات الدولة. بدلاً من الاعتماد على الطرق التقليدية لزيادة الإيرادات، مثل فرض الضرائب أو الاستدانة، يتيح البرنامج للدولة فرصة الحصول على إيرادات جديدة من خلال بيع أسهم الأقلية في الشركات المملوكة لها. وفقًا لآراء الاقتصاديين الكبار، يساهم هذا النهج في تنويع مصادر الإيرادات ويقلل من الاعتماد على وسائل التمويل التقليدية.
توفير سيولة نقدية تضاف لموارد الدولة
توفير السيولة النقدية يمثل أحد الاحتياجات الملحة لأي اقتصاد، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. يتيح برنامج الطروحات للحكومة المصرية فرصة لزيادة السيولة النقدية المتاحة لديها، مما يساعد في تمويل المشاريع التنموية الكبرى وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وتلك السيولة التي تتحقق من خلال بيع أسهم الشركات المملوكة للدولة تضيف موارد جديدة لخزينة الدولة، وتساهم في تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات المالية.
نقل الخبرات العالمية إلى الداخل
أهم ما يميز برنامج الطروحات الحكومية هو قدرته على جذب الخبرات العالمية إلى الداخل المصري. عندما تطرح الدولة جزءًا من شركاتها للاكتتاب العام، يتاح للشركات العالمية الفرصة للمشاركة في تطوير تلك الشركات، مما يتيح نقل الخبرات التكنولوجية والإدارية إلى الداخل. وهذا التبادل للخبرات يرفع من كفاءة وقدرات الشركات المصرية في الأسواق المحلية والعالمية.
توسيع أعمال الشركات وربطها بشبكة الأعمال الدولية
يتيح برنامج الطروحات الحكومية للشركات المصرية فرصة ذهبية لتوسيع نطاق أعمالها وربطها بشبكة الأعمال الدولية. تصبح هذه الشركات جزءًا من السوق العالمية وتتمكن من الاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبرى المتاحة على الساحة الدولية. يفتح هذا الربط بين الأعمال المحلية والدولية آفاقًا جديدة للنمو والتوسع، ويعزز قدرة الاقتصاد المصري على المنافسة على المستوى العالمي.
تحسين مناخ الاستثمار وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية
من المعروف اقتصاديًا أن مناخ الاستثمار يلعب دورًا حاسمًا في جذب الاستثمارات الأجنبية. في هذا السياق، يسهم برنامج الطروحات الحكومية في تحسين مناخ الاستثمار داخل مصر من خلال زيادة الشفافية وتعزيز ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري. مع تزايد عدد الشركات المدرجة في البورصة وزيادة نشاطها، تصبح مصر وجهة أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية، مما يعزز قدرتها على جذب رؤوس الأموال اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة.
خلق المزيد من فرص العمل للمواطنين
يسعى برنامج الطروحات الحكومية إلى تحقيق أهداف اجتماعية هامة، من بينها خلق المزيد من فرص العمل للمواطنين. مع توسع الشركات وزيادة حجم أعمالها، ينشأ طلب متزايد على العمالة، مما يساهم في تقليل معدلات البطالة وزيادة فرص العمل المتاحة للشباب المصري.
ربط مصالح مصر مع دول متعددة لتحقيق استقرار سياسي واقتصادي
لا يمكن فصل الأهداف الاقتصادية عن الأهداف السياسية. يسهم برنامج الطروحات الحكومية في ربط مصالح مصر مع عدد من الدول والشركات العالمية، مما يعزز من استقرارها السياسي والاقتصادي. يرى المتخصصون أن الربط بين المصالح المشتركة يسهم في بناء علاقات قوية ومستدامة مع دول وشركات متعددة، مما يدعم موقف مصر على الساحة الدولية.
التوجه العالمي نحو الطروحات الحكومية
الاستفادة من التجارب العالمية تعد أمرًا حاسمًا لنجاح برنامج الطروحات الحكومية. تنظر مصر إلى نماذج ناجحة قامت بها دول أخرى في مجال الطروحات الحكومية. على سبيل المثال، قامت الإمارات ببيع حصة من شركة مياه وكهرباء دبي، وسعت السعودية لخصخصة مطاراتها وطرح شركة أرامكو في البورصة. هذه الخطوات تعكس توجهًا عالميًا نحو تحقيق الاستفادة القصوى من الأصول الحكومية.
في أوروبا، قامت ألمانيا ببيع ربع ميناء هامبورغ، أحد أكبر الموانئ الأوروبية، لشركة صينية، مما يعكس رغبتها في جذب استثمارات خارجية وتعزيز علاقتها مع الصين. هذه الأمثلة توضح أن برنامج الطروحات الحكومية الذي تتبعه مصر ليس بالأمر الجديد، بل هو جزء من توجه عالمي نحو تحسين الأداء الاقتصادي وتعزيز الاستقرار المالي.
في النهاية
يعد برنامج الطروحات الحكومية بمثابة نافذة تطل منها مصر على مستقبل اقتصادي مشرق. من خلال تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والسياسية، يسعى البرنامج إلى تعظيم الفائدة من الأصول الحكومية، وتوفير موارد جديدة للدولة، وتعزيز مكانة مصر على الساحة الدولية. مع استمرار تنفيذ هذا البرنامج، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد المصري نقلة نوعية تسهم في تحقيق التنمية المستدامة والرفاهية للمواطنين.