متابعات رفيق عماد
رفض الأنبا أرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسي، فى بيان مترجم إلى سبع لغات حفل افتتاح الدورة الأوليمبية في فرنسا الذي أثار موجة من الاستياء الشديد ليس فقط لدى المسيحيين، بل لدى سائر المتديّنين في العالم بأسره.
مشيرًا إلى أن الحفل حمل في طياته مشاهد تعكس استهانة بالمقدسات والرموز الدينية، مما تسبب في ألم عميق يمزق القلوب. وأوضح الأنبا أرميا أن هذا المشهد لم يكن مفاجئًا له، حيث إن قوى الشر لا تتوقف عن محاولاتها لجذب البشر بعيدًا عن القيم الروحية والأخلاقية، منذ أن سقط الإنسان في الخطيئة.
أشار الأنبا أرميا إلى أن الشيطان لا يزال يسعى بكل الطرق لجذب البشر معه في رحلة إلى الهاوية، مستغلًا نقاط ضعفهم وإغراءاتهم لدفعهم نحو تصرفات تبتعد عن الطريق المستقيم. وأكد أن ما حدث في حفل افتتاح الأولمبياد يعكس استخدامًا غير مشروع لمفهوم “الحرية”، حيث بررت تلك الأفعال المهينة تحت شعار الحرية. متسائلًا: هل تعني الحرية إهانة الآخرين والنيل من مقدساتهم؟ وأي حرية تلك التي تتجاوز حدود احترام كرامة البشر ومعتقداتهم؟
أكد الأنبا أرميا أن الحرية مهما كانت واسعة، فهي محدودة بعدم المساس بحريات الآخرين. فالإساءة إلى الآخرين ليست سوى شكل من أشكال الحبس النفسي والروحي للمسيء، حيث يصبح الإنسان في هذه الحالة أسيرًا لذاته، حبيسًا لأفكاره الملتوية ومشاعره السلبية. وأوضح أن من يبرر تلك السلوكيات المسيئة باسم الحرية، فإنه لا يعرف المعنى الحقيقي للحرية، ولم يذقها يومًا. وأضاف أنه يتذكر في هذا السياق كلمات الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، الذي قال: “ليس حرًّا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة”. مشيرًا إلى أن الحفل الأوليمبي أخذ معنى الحرية بعيدًا عن قيمها النبيلة، وجعلها تبدو كمستنقع من الإساءات والانتهاكات التي تلطخ جوهرها الصافي.
أضاف الأنبا أرميا أن ما حدث في حفل افتتاح الأولمبياد يدفعنا للتساؤل عن العلاقة بين الألعاب الرياضية والمقدسات الدينية، خاصة في حدث يشاهده العالم بأسره، ويشترك فيه فرق من مختلف الثقافات والأديان، بما في ذلك الملحدون وغيرهم. موضحًا أن ما حدث ليس سوى تنمر مقنع في ثوب حرية متهرئ، وأن الرسائل التي وجهها الحفل لم تكن سوى سهام نارية مصوبة نحو قلب الأديان والعالم الإنساني بأسره. وتابع مشيرًا إلى أن العالم بأسره شاهد هذه الإساءات بصدمة، وأن الغضب العالمي يتزايد يومًا بعد يوم إثر ما شاهدوه من محاكاة لوحة العشاء السري باستخدام شخصيات متحولة جنسيًّا، وما صاحب ذلك من إيحاءات جنسية صادمة.
أوضح الأنبا أرميا أن العديد من الدول والمؤسسات عبرت عن غضبها الشديد، ووصفت تلك التصرفات بأنها غير مقبولة وغير محترمة وسيئة السمعة. وطالب عدد من الدول بتقديم اعتذار رسمي إلى العالم بأسره. مضيفًا أن هذا الحفل يمثل تذكرة لنا جميعًا بأهمية أن نبقى يقظين ومترقبين، وأن ندرك أن قيمنا ومقدساتنا قد تكون عرضة للهجوم في أي لحظة. مستشهدًا بكلمات السيد المسيح: “ٱُنْظُرُوا! ٱِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ ٱلْوَقْتُ” (مر ١٣: ٣٣)، والتي تدعونا إلى التمسك بقيمنا والإيمان بأهمية الحفاظ على كرامة الإنسان ومقدساته.
اختتم الأنبا أرميا كلماته بالدعوة إلى الصلاة والتضرع إلى الله لحفظ العالم من قوى الشر التي تسعى إلى إبعاده عن الطريق الصحيح. وأكد أن الحديث في “مِصر الحُلوة” لا ينتهي، وأنه يجب علينا جميعًا أن نبقى يقظين وأن نعمل معًا للحفاظ على قيمنا الإنسانية والروحية، وللتصدي لأي محاولة للمساس بمقدساتنا أو إهانة معتقداتنا. فالقيم الحقيقية لا تعرف الحدود، والحرية ليست مبررًا لانتهاك كرامة الآخرين، بل هي مسؤولية يجب أن نتشاركها جميعًا.