البداية: الفتى البسيط من الجمالية
كانت الحياة في حي الجمالية بالقاهرة تدور بشكل اعتيادي بالنسبة لعلي علي، الفتى الذي لم يتجاوز العشرين من عمره. كان يعمل في صناعة الأسطمبات من الجبس، يتجول في الأزقة الضيقة ليبيع منتجاته البسيطة ويكسب لقمة العيش. حياة لم تكن مليئة بالمفاجآت أو المخاطر، بل كانت أشبه بروتين يومي لا يختلف عن حياة مئات الشباب المصريين. ولكن القدر كان يخبئ له دورًا أعظم بكثير من مجرد صنع الأسطمبات.
التحول: من صانع الأسطمبات إلى حامي الأبطال
عندما جاء وقت تأدية الخدمة العسكرية، لم يتردد علي علي، بل لبى نداء الوطن كما يفعل الملايين من الشباب المصريين. لم يكن يعلم أن هذه الرحلة ستنقله من شوارع الجمالية إلى واحدة من أصعب معارك التاريخ المصري الحديث: معركة البرث.
في كمين البرث، كان الجو مليئًا بالتوتر والانتظار، الجميع على أهبة الاستعداد لمواجهة أي هجوم. كان علي علي، ذلك الفتى البسيط، يقف بين رفاقه، وهمهمته الوحيدة هي أن يؤدي واجبه ويحمي وطنه.
المعركة: لحظات من البطولة الخارقة
عندما هاجمت الجماعات الإرهابية الكمين، اندلعت المعركة بكل عنفوانها. كانت لحظات الرعب والدماء تتساقط مثل المطر. استشهد القائد منسي، وسقط العديد من الجنود بين شهيد وجريح. لكن علي علي، الفتى البسيط من الجمالية، تحول إلى جندي خارق، ليس بمعايير الخيال، بل بمعايير الشجاعة والإيمان.
بينما كانت قوة الكمين تتضاءل، كان علي علي يقف كالجبال، يحرس الدور الذي يرقد فيه المصابون. رفض أن يترك زملاءه لقمة سهلة للإرهابيين. وقف على رأس السلم المؤدي للدور الثاني، يصد كل محاولة لاقتحام المبنى، موجهًا سلاحه نحو كل من يحاول الوصول.
الرصاصة الأخيرة: الشهادة
لم يكن الأمر سهلاً. أصيب علي علي برصاصات عدة، لكنه لم يتراجع. كان يسقط على بطنه، ويزحف بالسلاح بين يديه، يقاتل حتى الرمق الأخير. وصلت إلى جسده ثلاثون رصاصة، ولكن كل رصاصة كانت تحمل معها قصة من البطولة والتضحية. حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، لم يترك علي علي سلاحه، بل قتل آخر إرهابي حاول اقتحام المبنى.
الختام: البطولة المنسية
استشهد علي علي، ولم يذكر اسمه في الأخبار، لم تتناول قصته وسائل الإعلام، لكن أثره ظل في قلوب زملائه الذين عايشوا اللحظات الأخيرة. كان هو الحائط الأخير الذي منع الإرهابيين من الوصول إلى المصابين، ومنعهم من الوصول إلى القائد منسي والتمثيل بجثته.
لماذا لم يُذكر اسمه؟
ربما لم يُذكر اسمه إلا في أغنية “قالوا إيه علينا”، وربما لم يعرف أحد قصته الحقيقية حتى الآن. ولكن علي علي كان أكثر من مجرد جندي، كان رمزًا للشجاعة والإخلاص.
ختامًا: تكريم البطل
حكى هذه القصة الضابط عبدالعزيز محمد محسن، أحد الناجين من المعركة، والذي كان من ضمن المصابين في الغرفة التي حماها علي علي. كلمات عبدالعزيز لم تكن مجرد سرد للأحداث، بل كانت تذكيرًا لنا جميعًا بأن البطولات الحقيقية قد تظل مجهولة، لكن أثرها يظل خالدًا في قلوب الأحياء.