هذه القصيدة الرائعة قالها الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني
” جمال عبدالناصر “
جمال ! أيأتي ؟ أجل ! ربّما
و تستفسر الأمنيات السما
أيأتي ؟ و يرنو السؤال الكبير
يزغرد في مقلتيه الظما
فيخبره الحلم إخبار طفل
يروض على اسم أبيه الفما
و في أيّ حين ؟ و صاح البشير
فجاءت إليه الذرى عوّما
و أرخى عليه الضحى صحوة
و دلّى سواعده سلّما
و حيّاه شعب رأى في الشروق
جني الحلم من قبل أن يحلما
فأيّ مفاجأة باغتته …
كما تفجأ الفرحة الأيّما ؟
فماد ربيع على ساعديه
و فجر على مقلتيه ارتمى
و لبّى الهتاف المدوّي هناك
هتافا هنا . و هنا مفعما
يلبّي و يدعو فيطغى الضجيج
و يعلو الصدى يعزف الأنجما
تثير الجماهير في جوّه
من الشوق أجنحة حوّما
و تسأل في وجهه موعدا
خصيبا و تستعجل الموسما
و تحدو غدا فوق ظنّ لاالظنون
و أوسع من أمنيات الحمى
جمال ! فكلّ طريق فم
يحيّي و أيد تبث الزهر
ترامت إليه القرى و الكهوف
تولّي جموع و تأتي زمر
و هزّت إليه حشود الحسان
مناديل من ضحكات القمر
ولاقته “صنعاء ” لقيا الصغار
أبا عاد تحت لواء الظفر
تلامسه ببنان اليقين
و تغمس فيه ارتياب البصر
و تهمس في ضخب البشريّات
أهذا هو القائد المنتظر ؟
أرى خلف بسمته ” خالدا “
و ألمح في وجنتيه ” عمر “
و تدنو إليه تناغي المنى
و تشتمّ في ناظريه الفكر
أهذا الذي وسعت نفسه
هوى قومه و هموم البشر ؟
أطلّ فأومى انتظار الحقول
و ماج الحصى و ارأبّ الحجر
و هنأت الربوة المنحنى
و بشرت النسمة المنحدر
و أخبر ” صرواح ” عنه الجبال
فأورق في كلّ نجم خبر
و أشرق في كلّ صخر مصيف
يعنقد في كلّ جوّ ثمر
و أعلنت زنود الربى وحده
سماويّة الأمّ طهر الأب
نمتها المروءات في ” مأرب “
و أرضعها الوحي في ” يثرب “
و غنى على صدرها شاعر
و صلّى على منكبيها نبي
وردّدها الشرق أغرودة
فعبّ صداها فم المغرب
و دارت بها الشمس من موسم
سخيّ إلى موسم أطيب
إلى أن غرتها سيول التتار
ورنّحها العاصف الأجنبي
تهاوت وراء ضجيج الفراغ
تفتّش عن أهلها الغيّب
و تبحث عن دارها في الطيوف
و تستنبيء اللّيل عن كوكب
و تحلم أجفانها بالكرى
فتخفق كالطائر المتعب
هناك جثث في اشتياق المعاد
تحدّق كالموثق المغضب
فتلحظ خلف امتداد السنين
على زرقة ” النيل ” وعدا صبي
تمرّ عليه خيالات ” مصر “
مرور الغواني على الأعزب
رأت فمه برعما لا يبوح
و نسيان في قلبه مختبي
و كان انتظارا فحنّت إليه
حنين الوليد إلى المرضعة
و دارت نجوم و عادت نجوم
و أهدابها ترتجي مطلعة
و كانت تواعدها الأمسيات
كما تعد البيدر المزرعة
و لاقته يوما و كان اسمه
” جمالا ” فلاقت صباها معه
هنا لاقت الوحدة ابنا يسير
فتمشي الدنا خلفه طيّعه
و مهدا صبورا سقاها النضال
فأهدت إلى المعتدي مصرعة
غذاها دم ” النيل ” خصب البقاء
و لقّنها الفكرة المبدعة
و علّمها من عطايا حشاه
و كفّيه أن تبذل المنفعة
و من جوّه رفرفات الحمام
و من رمله طفرة الزّوبعه
و قطّرها في خدود النجوم
صلاة و أغنية ممتعو
و أطلع للعرب أقباسها
شموسا بصحو المنى مشبعة
هناك أفقنا على وحدة
يمدّ الخلود لها أذرعة