في محاولة لتوجيه ضربة سياسية جديدة للرئيس السابق دونالد ترامب، اتخذ الرئيس الأميركي جو بايدن قرارًا حاسمًا بترحيل بعض المواطنين اللبنانيين من الولايات المتحدة. يأتي هذا القرار في إطار الحرب السياسية الدائرة بين بايدن وترامب، حيث يسعى بايدن لكسر قاعدة دعم ترامب بين الجاليات العربية، وخاصة اللبنانيين.
الرئيس السابق دونالد ترامب، المعروف بمواقفه الصارمة تجاه المهاجرين، شكل قاعدة دعم قوية بين بعض الفئات العربية في الولايات المتحدة، لاسيما اللبنانيين. يرتبط هذا الدعم بالعلاقات العائلية والمالية التي تربط ترامب برجل الأعمال اللبناني مسعد بولس وعائلته. تيفاني ترامب، الابنة الصغرى لترامب، تزوجت من مايكل بولس، ابن مسعد بولس، مما جعل العائلة اللبنانية جزءًا من الدائرة القريبة للرئيس السابق.
الأسباب الكامنة وراء القرار
تعزى الدوافع الرئيسية وراء هذا القرار إلى الارتباط الوثيق بين عائلة ترامب ورجل الأعمال اللبناني مايكل بولس. مايكل بولس، الذي تزوج من تيفاني ترامب، الابنة الصغرى للرئيس السابق، هو ابن رجل الأعمال مسعد بولس، الذي يدير مجموعة شركات بولس إنتربرايزز المتعددة الجنسيات. تشتمل هذه الشركات على مجموعة واسعة من الأنشطة التجارية من بينها تجارة السيارات وقطع الغيار والبناء.
مسعد بولس، المعروف بنفوذه الكبير في الأوساط الاقتصادية والسياسية، لعب دورًا كبيرًا في دعم حملة ترامب بين الجاليات العربية. إذ تولى تنظيم العديد من الفعاليات الدعائية لحملة ترامب، مما ساهم في تعزيز قاعدة دعمه بين اللبنانيين والعرب في الولايات المتحدة. هذا الدعم جعل من مسعد بولس شخصية مهمة في معادلة الانتخابات الأميركية، حيث كان يلعب دورًا حاسمًا في تجنيد الأصوات لصالح ترامب.
الأوضاع الإنسانية في جنوب لبنان
في المذكرة التي أرسلها بايدن إلى وزارة الأمن الداخلي، أوضح أن القرار جاء استجابة للأوضاع الإنسانية المتدهورة في جنوب لبنان بسبب التوترات المتزايدة بين حزب الله وإسرائيل. وأشار بايدن إلى أن “الأوضاع الإنسانية في جنوب لبنان تدهورت كثيرًا بسبب التوترات بين حزب الله وإسرائيل”، مؤكدًا أن “مدنيين كثر ما زالوا في خطر”.
منذ سنوات، يعاني جنوب لبنان من نزاعات مستمرة بين حزب الله وإسرائيل، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في المنطقة. هذه التوترات تسببت في نزوح العديد من العائلات وتفاقم الأوضاع المعيشية. وأمام هذا الوضع المأساوي، جاء قرار بايدن لتأجيل ترحيل اللبنانيين كمحاولة لتقديم الدعم الإنساني لهؤلاء المواطنين المتواجدين في الولايات المتحدة.
تداعيات القرار على الساحة السياسية
رغم أن القرار يبدو في ظاهره إنسانيًا، إلا أنه يحمل في طياته أبعادًا سياسية أعمق. يعتبر مسعد بولس، والد مايكل بولس، من الداعمين البارزين لحملة ترامب بين الجاليات العربية، حيث يتولى الدعاية له في كافة الفعاليات، مما يضمن له قاعدة جماهيرية واسعة تتعدى العشرة ملايين صوت.
القرار الذي اتخذه بايدن قد يهدف بشكل غير مباشر إلى تقليص هذا الدعم القوي الذي يحظى به ترامب بين الجاليات اللبنانية والعربية. فبترحيل بعض اللبنانيين، قد يشعر هؤلاء المواطنون بالخذلان من سياسات إدارة بايدن، مما قد يؤدي إلى تراجع دعمهم له في المستقبل. من جهة أخرى، قد يسعى بايدن من خلال هذا القرار إلى كسب تأييد بعض الفئات الأخرى التي ترى في سياسات الهجرة الصارمة خطوة ضرورية لحماية الأمن القومي.
الأبعاد السياسية للقرار
يرى العديد من المحللين أن قرار إدارة بايدن بترحيل بعض اللبنانيين يهدف إلى تقويض دعم ترامب بين الجاليات العربية. من خلال هذه الخطوة، يسعى بايدن إلى تقليل التأثير السياسي الذي يمارسه مسعد بولس وأمثاله من داعمي ترامب، مما قد يؤدي إلى تراجع قاعدة ترامب الشعبية بين الناخبين العرب في الولايات المتحدة.
بايدن، الذي يواجه انتقادات مستمرة من الحزب الجمهوري حول سياساته الداخلية والخارجية، يسعى إلى تعزيز موقفه السياسي من خلال اتخاذ قرارات جريئة. ومع اقتراب الانتخابات، يسعى بايدن إلى تقديم نفسه كقائد قوي قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، حتى لو كانت مثيرة للجدل. هذا القرار قد يساعده في تحقيق هذا الهدف، خاصة إذا نجح في تقديمه كخطوة ضرورية لحماية الأمن القومي ومعالجة الأوضاع الإنسانية في الوقت نفسه.
التوترات بين بايدن وترامب: ساحة جديدة للصراع
يتضح أن قرار بايدن بتأجيل ترحيل اللبنانيين لمدة 18 شهرًا، والسماح لهم بالبقاء في البلاد مع الحق في العمل، ليس مجرد خطوة إنسانية بحتة، بل هو جزء من استراتيجية سياسية أوسع تهدف إلى إضعاف الدعم الذي يتمتع به ترامب بين الجاليات العربية. يسعى بايدن من خلال هذه الخطوة إلى التأكيد على موقفه الحازم في مواجهة سياسات ترامب، وتجريد الأخير من أحد أهم قواعد دعمه.
هذه الخطوة تأتي في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة انقسامات سياسية حادة، حيث يسعى كل من بايدن وترامب إلى تعزيز مواقعهما السياسية قبل الانتخابات القادمة. بايدن، الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية عديدة، يرى في هذا القرار فرصة لتعزيز شعبيته بين الناخبين الذين يدعمون سياسات الهجرة الإنسانية، بينما يسعى في الوقت نفسه إلى تقويض دعم ترامب بين الجاليات العربية.
خلاصة: حرب سياسية بأبعاد إنسانية
في الختام، يظهر أن قرار بايدن بترحيل اللبنانيين ليس سوى جزء من لعبة سياسية معقدة، تهدف إلى كسر دعم ترامب بين الجاليات العربية. وعلى الرغم من أن القرار يحمل في ظاهره طابعًا إنسانيًا، إلا أن أبعاده السياسية لا يمكن تجاهلها. فهل ستنجح هذه الخطوة في تحقيق أهداف بايدن السياسية؟ وهل سيتراجع دعم الجاليات العربية لترامب في الانتخابات القادمة؟ يبقى السؤال مفتوحًا بانتظار تطورات الأحداث.