العنوان أعلاه يعبر عن حقيقة تقول، ثورةً يوليو ستظل خالدة، يتنسم عبيرها المصريون، وفى موعد معلوم يوم 23 يوليو من كل عام يتذكرون ثورتهم المجيدة بكل إعتزاز وفخار، ويدافعون عنها، يدافع عنها أبناء الفلاحين والعمال فى مواجهة تحالف من أعدائها لايزال يعتمل ثأرا من زعيمها خالد الذكر ” جمال عبد الناصر” ، الملقب بأبو خالد، ورمزه “عود الفل”.
لافت نزوع بيض الرؤوس من المصريين إلى مشاهدة فيلم “رد قلبي” سنويا يوم 23 يوليو، لماذا هذه النوستالجيا، والحنين إلى ماض تولى، لأنها يوليو، ولأنه عبد الناصر، ولأن التاريخ يعيد نفسه، وكما حوصرت يوليو فى شعب ضيق، وخرجت عملاقة تكسر قيدها، تحاصر يونيو فى شعب ضيق، ويضيق على أهلها، تتعدد أشكال الحصار، وفى التحليل الأخير هناك من يحاصر ثورة المصريين ويجهض مشروع المصريين، ولكن التاريخ يقول كلمته، إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.
**
لماذا ” رد قلبي ” ، لهذا قصة تروي، سطورها تقول “رد قلبي” فيلم مصري من إنتاج عام 1957، من إخراج “عز الدين ذو الفقار”، عن رواية “يوسف السباعي”، وبطولة شكري سرحان (علي) ومريم فخر الدين (إنجي) وحسين رياض(عبد الواحد الجنايني) وأحمد مظهر (البرنس علاء) وهند رستم (الراقصة كريمة).
أحد أهم أفلام السينما المصرية، وفي احتفالية مئوية السينما المصرية عام 1996 تم تصنيفه في المركز الثالث عشر ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية في استفتاء النقاد.
يعمل رب الأسرة “عبد الواحد الجنايني” في قصر أحد أمراء الأسرة المالكة ، يربط الحب بين ابنه “علي” و”إنجي” كريمة الباشا منذ الصغر.
يصبح “علي” ضابطًا. يكتشف البرنس “علاء” شقيق إنجي العلاقة بين شقيقته و”علي”، فيقرر والده طرد أبيه “عبد الواحد الجنانيني” من القصر.
تتظاهر”إنجي”بقبول خطبة أحد الأمراء لها لتحمي حبيبها، يعتقد “علي” أن “إنجي” تغدر به، وتمضي الأعوام، وفي يوم حريق القاهرة تحاصر النار الراقصة “كريمة” التي على علاقة بـ “علي” وتحبه، فتصاب بحروق تؤدي لوفاتها، ولكن قبل أن تموت تسلم “علي” رسالة “إنجي” التي أخفتها عنه، وفيها تؤكد له حبها.
بعد ثورة 52، يرأس “علي” لجنة مصادرة أملاك البرنس علاء ، تلقاه “إنجي” التي تظن أنه جاء شامتًا ولكنها تكتشف صدق عاطفته. يطلق “علاء” الرصاص نحو “علي” فيصيبه إصابة بالغة ولكن “علي” يقتله.
**
يقال والله أعلم أن الزعيم ” عبد الناصر ” دمعت عيناه حينما شاهد عرِض شريط “رد قلبي” بالسينما ، وانفعل حين أصيب ” الجنايني ” البسيط الذي أدي دوره ببراعة “حسين رياض” بالشلل، و يقال إن الرئيس ” عبد الناصر ” قدم جائزة الدولة التقديرية من وزارة الثقافة لـ”رياض” عن دوره في الفيلم، وقال له إنه تأثر بدور ” الجنايني ” المكافح الذي جعل من ابنه ضابطًا بالبوليس والآخر ضابطًا في الجيش وليشترك الاثنان في الثورة.
رد قلبي، ليست فحسب مشاهد أبيض وأسود، ولكنها حالة وطنية لا تمحى من الذاكرة الشعبية، نفر من المصريين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر نهاية شريط حياته، شاهدوها بأم أعينهم والدبابات تحاصر القصر والملك يخرج مودعاً بإطلاق 21 طلقة تحية قبل ركوب اليخت إلى أوروبا التي يعيش فيها ابنه الأمير “أحمد فؤاد” حتى ساعته وتاريخه ، واحيانا يحن إلى مصر فيزورها سائحا مستمتعا بجمال مسقط رأسه.
وعدة أجيال تتابعت تابعوها (ثورة يوليو) عبر الصورة الفوتوغرافية في الكتب والمجلات المصورة، أو لقطات أرشيفية فيما يعرف مصرياً ب ” جريدة مصر السينمائية” التي تعد كنزاً فيلمياً تؤرخ لثورة 23 يوليو 1952 كما يؤرخ الفيس بوك وتويتر لثورة 25/30.
72 عاماً هي عمر ثورة، لكن أحداثها حاضرة في العقول والقلوب وشريط “رد قلبي” يعرض على كل القنوات بدون ملل، المصريون لا يملون من قصة أنجي وعلى وعبد الواحد الجنانيني، حتى الجيل الجديد ” جيل الفيس ” يشاهد ويفسفس، ويتعجب من زواج “علي” ابن “عبد الواحد الجنايني” من الأميرة “إنجي”،يسخرون على طريقتهم من ماضي لم يلحقوا بعظمته ومجده .
**
وهكذا تمر السنون ككر حبات المسبحة بين أصابع مواطن صالح، ويوليو و”ناصر” مجال للحديث والجدال والنقاش لا يتوقف، مؤيدون كثر ومعارضون أيضا كثر، لكن لا أحد يمكن أن ينكر فضل، وقيمة، وعظمة ثورة يوليو، إلا جاحد أو إخواني يناصبها العداء .
ثورة يوليو التي لايزال ترفع مبادئها في الميادين المصرية، رفعتها ثورتا ( 25 يناير و30 يونيو ) ، لتطالب بنفس مبادئ يوليو المجيدة، الحرية، العدالة الاجتماعية، الاستقلال الوطنى، كما أن صور زعيمها “عبد الناصر” رُفعت في 25 يناير وحتي 30 يونيو، ولا تزال ترفع في كل الأحداث و الميادين.
الحالة المصرية تشبعت بثورة يوليو فهي الأصل في كل شىء، أصل المطالبة بالحرية أعلنت الجمهورية، أصل القضاء على الفساد ألغت الإقطاع، أصل الاستقلال الوطني أعلنت الجلاء عن بريطانيا.
انحياز يوليو للسواد الأعظم من المصريين – ملح الأرض كما يلقبوا من الفقراء والفلاحين والعمال- سبب في خلودها إلى الآن رغم مرور 72 سنة على قيامها، وهو ما يمكن أن نطلق عليه سر أو خلطة يوليو التي نجحت فيها وفي بقائها في القلوب الجميع.
فى الحقول فلاح اشتعل رأسه بالشيب لكنه لا ينسي يوليو، وفى المصانع عامل وهن عظمه لكن لسانه لا يسكت عن الحديث على يوليو، امرأة طيبة بلغت من الكبر عتيا لكنها تروي حكايات يوليو، الشباب يبحث بنهم عن كل ما كتب وروي عن يوليو المجيدة .
هذا حال الشعب المصري في يوم 23 يوليو من كل عام، فالاحتفالات بالثورة شعبية، قبل أن تكون رسمية، التاريخ حفر في القلوب والعقول عن يوليو، قبل أن يسرد في كتب ووثائق التاريخ عن أزهى الفترات التاريخية التي مر بها الشعب المصري بانجازاتها وإخفاقاتها.
**
”رد قلبى” الأيقونة التي أرخت بإبداع سينمائي لثورة يوليو، هي طقس احتفالي مصرى، المواطن المصري على اعتاد مشاهدته في 23 يوليو من كل عام، وغيرها من الأعمال السينمائية التي رصدت بحرفية لمقدمات ثورة يوليو وأسباب اندلاعها ومنها “في بيتنا رجل” للوسيم “عمر الشريف” والحسناء “زبيدة ثروت”، و فيلم ” شروق وغروب” لجان السينما وقتها “رشدي أباظة” والسندريلا “سعاد حسنى”.. ستظل يوليو فى القلوب رغم الحقد الساكن في قلوب الإخوان ليل نهار .