دور يوحنا الشفتشي في فك رموز الهيروغليفية
نجح فرانسوا شامبيليون في فك رموز اللغة الهيروغليفية في عام 1822، ولكن هذا النجاح لم يأت من فراغ أو بجهده وحده، بل استعان بكاهن قبطي يدعى يوحنا الشفتشي في مساعدته على فك رموز اللغة الهيروغليفية عن طريق ربطها بقواعد اللغة القبطية.
نشأة يوحنا الشفتشي
وُلد القس يوحنا في القاهرة لعائلة من صائغي الذهب. فكلمة “الشفتشي” في اللغة العربية يستخدمها صائغ الذهب للدلالة على الخيوط الدقيقة المنقوشة في حيز مفرغ ولا يراها الناظر إلا في شفافية الضوء، ولعل ما يدعم هذا الاستنتاج أن صياغة الذهب كانت حرفة متوارثة بين الأقباط منذ أقدم العصور.
أعمال يوحنا الشفتشي
عمل القس يوحنا مترجمًا فوريًا في منطقة الجيزة وكاتبًا أول في محكمة الشؤون التجارية، كما عمل بناءً على توصية من العالم الرياضي فورييه مترجمًا لدى اللجنة التي شكلها كليبر لجمع مواد تاريخ الحملة الفرنسية.
هجرتة إلى فرنسا
عندما خرج الفيلق القبطي بقيادة المعلم يعقوب من مصر متوجهًا إلى فرنسا، خرج معهم القس يوحنا. ثم عمل كاهنًا للأقباط المهاجرين وأقام في شارع سانت روك بباريس. وهناك قصده شامبيليون ليأخذ منه دروسًا في تعليم اللغة القبطية، لأنه كان مؤمنًا بأهمية اللغة القبطية باعتبارها التطور الطبيعي للغة الهيروغليفية. لذا افترض أن معرفته للغة القبطية سوف تساعده كثيرًا في فك رموز اللغة الهيروغليفية.
شهادة شامبيليون
وسجل شامبيليون هذا في مذكراته عندما ذكر: “سلمت نفسي بالكامل إلى اللغة القبطية… لقد أصبحت قبطيًا إلى درجة أن تسليتي الوحيدة الآن هي ترجمة كل ما يخطر على بالي إلى اللغة القبطية… ثم إنني أتحدث إلى نفسي بالقبطية وقد تمكنت من هذه اللغة إلى درجة أنني قادر أن أعلم قواعدها لأي شخص خلال يوم واحد… وتتبعت تسلسل الروابط التركيبية لهذه اللغة ثم حللت كل شيء تحليلاً كاملاً وهو ما سيعطيني دون أدنى شك المفتاح اللازم لحل اللغز وفك شفرة نظام العلامات الهيروغليفية… وهو المفتاح الذي حتمًا سأعثر عليه…”
دور الشفتشي في تعليم شامبيليون
وذكر شامبيليون أيضًا فضل الكاهن القبطي يوحنا الشفتشي صراحة في مذكراته حين ذكر الخطاب الذي أرسله إلى أخيه، فكتب له: “إنني ذاهب إلى كاهن قبطي يسكن في سانت روش في شارع سانت هونوري وهذا الكاهن يعلمني الأسماء القبطية وكيفية نطق الحروف… وإنني أكرس الآن نفسي كلية لتعلم اللغة القبطية إذ أريد أن أتقن هذه اللغة مثلما أتقن الفرنسية… وأن نجاحي في دراسة البرديات المصرية سيعتمد على إتقاني لهذه اللغة القبطية.”
إشادة العلماء الفرنسيين بالشفتشي
كما ورد ذكر اسم أبونا يوحنا الشفتشي أيضًا ضمن مجموعة العلماء الذين ساعدوا في إعداد كتاب وصف مصر. وعُثر أخيرًا على تزكية مؤرخة بتاريخ 6 أبريل 1816 م تحمل توقيعات سبعة من أشهر العلماء الفرنسيين في القرن التاسع عشر يثنون فيها على ثقافة القس يوحنا الشفتشي الواسعة مع الإشارة إلى زهده وتواضعه.
نهاية حياته
في عام 1825، قرر القس يوحنا أن يغادر باريس الباردة واتجه إلى مرسيليا التماسًا لمناخ أدفأ وأنسب لحالته الصحية، وتنيح في نفس العام.
ويبقى اسم الكاهن القبطي المصري يوحنا الشفتشي الجندي المجهول وراء هذا الإنجاز التاريخي الذي ساعد شامبيليون في فك حجر رشيد.
التأثير العالمي لجهود يوحنا الشفتشي
تُعدّ جهود يوحنا الشفتشي في مساعدة شامبيليون في فك رموز الهيروغليفية أحد الأسس التي ساهمت في فتح نافذة واسعة على الحضارة المصرية القديمة. وقد أتاحت هذه الجهود لعلماء المصريات والمستشرقين الدوليين فهم أعمق لتاريخ مصر القديمة وثقافتها.
الأبحاث الدولية
منذ ذلك الحين، ازداد الاهتمام الدولي باللغة الهيروغليفية والقبطية على حد سواء، وتم تطوير العديد من الأبحاث والدراسات التي استفادت من الأسس التي وضعها شامبيليون بمساعدة الشفتشي. وقد أسهمت هذه الدراسات في توسيع الفهم العالمي للحضارة المصرية القديمة وأثرها على الحضارات الأخرى.
الدور الأكاديمي
لعبت الجامعات والمعاهد الأكاديمية حول العالم دورًا كبيرًا في تكريم جهود يوحنا الشفتشي من خلال تدريس اللغة القبطية والهيروغليفية ضمن مناهجها. كما تم تنظيم مؤتمرات وندوات دولية تناولت تأثير الشفتشي وشامبيليون على علم المصريات.
الإسهامات الحديثة
في العصر الحديث، لا يزال الباحثون يعتمدون على أعمال شامبيليون والشفتشي كمراجع أساسية في دراساتهم. وقد تم نشر العديد من الكتب والمقالات التي تستند إلى أساليب شامبيليون في فك رموز الهيروغليفية، ما يعكس التأثير العميق والمستدام لتعاون الشفتشي وشامبيليون.
الشفتشي ورمز الوفاء العلمي
يمثل يوحنا الشفتشي رمزًا للوفاء العلمي والتفاني في خدمة المعرفة. فقد كان بإمكانه أن يبقى في الظل، إلا أن عمله الجاد ومساعدته الحقيقية لشامبيليون كانت لها أثر كبير في تحقيق هذا الإنجاز العلمي الهام.
ويبقى دور يوحنا الشفتشي مخلدًا في تاريخ العلم، ليس فقط كجندي مجهول، بل كعالم حقيقي ساهم في كشف غموض أحد أعظم الحضارات الإنسانية.