في ذكرى مرور اثنتي عشرة سنة على رحيل اللواء عمر سليمان، أود أن أشارككم كيف ولدت فكرة ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وأسباب إصراري على قيادة حملته الانتخابية. الفكرة بدأت في ظل أجواء من التوتر الشديد التي كانت تسود مصر في صيف عام 2012.
تسارع الأحداث: من “جمعة قندهار” إلى البحث عن بديل قوي
في 29 يوليو 2012، شهدت مصر حدثًا مثيرًا للقلق في “جمعة قندهار”، حيث احتشدت أعداد ضخمة من السلفيين في ميدان التحرير، ورفعوا شعارات ضد مدنية الدولة ودعوا لتطبيق الشريعة الإسلامية. في تلك اللحظات، عندما أخبرني أحدهم بوضوح “ممنوع دخول المسيحيين الميدان”، شعرت بضرورة الرد بقوة، وقلت له إن الميدان هو أرض مصرية مفتوحة لجميع المصريين، دون استثناء. كان هذا تذكيرًا قويًا بزيادة التطرف الديني الذي بدأ يهدد النسيج الاجتماعي للبلاد.
تلك الأحداث كانت بمثابة جرس إنذار، ودفعتني للبحث عن شخصية قوية قادرة على مواجهة هذه التحديات وحماية استقرار الوطن. كان اللواء عمر سليمان هو الشخص الذي رأيت فيه القدرة على التصدي للأزمات بشجاعة وفعالية.
اللقاء الأول: محاولة إقناع سليمان
عندما زرت اللواء عمر سليمان في مستشفى وادي النيل حيث كان يشغل منصب مدير المستشفى، طلبت منه أن يترشح لانتخابات الرئاسة. في البداية، رفض الفكرة بشكل قاطع، لكنه رحب بطلب التقاط صورة معي، والتي أصبحت فيما بعد رمزًا لحملتنا. بعد هذه الزيارة، خرجت للإعلام وأثرت ضغوطًا متواصلة على عمر سليمان ليقبل الترشح. بدأت الجماهير المصرية تتفاعل مع الدعوة، مطالبةً بترشحه بقوة.
إنجازات عمر سليمان: من البدايات إلى القيادة
عمر محمود سليمان، الذي ولد في 2 يوليو 1936 في محافظة قنا، كانت له مسيرة تعليمية وعسكرية استثنائية. بعد التحاقه بالكلية الحربية، بدأت مسيرته العسكرية في عام 1954، حيث حصل على تدريب عسكري متميز في أكاديمية فرونزي بالاتحاد السوفيتي. عاد إلى مصر ليكمل دراسته في العلوم السياسية، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة عين شمس، والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، ثم الماجستير في العلوم العسكرية.
دوره البارز في حرب أكتوبر 1973
قاد عمر سليمان كتيبته في عبور قناة السويس بنجاح في حرب أكتوبر 1973، وقد كانت كتيبته واحدة من الوحدات الرائدة التي أدت العملية بحرفية وشجاعة. هذا الدور البطولي ساعد في تحقيق التفوق العسكري واستعادة الأراضي. وعلى الرغم من أهميته، لا يعرف الكثيرون عن الأدوار الأساسية التي لعبها سليمان خلال هذه الحرب.
مسيرته في المخابرات: نجاحات دبلوماسية وأمنية
ترقى سليمان في المناصب العسكرية حتى وصل إلى منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات المسلحة، ثم تولى منصب مدير المخابرات الحربية في يوليو 1989، وبعدها رئيس المخابرات العامة في مارس 1991. خلال هذه الفترة، كان له دور بارز في ملفات حساسة مثل القضية الفلسطينية، وجهود الوساطة في صفقة الإفراج عن الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، والتفاوض حول الهدنة بين حماس وإسرائيل. شملت مهامه أيضًا دبلوماسية متعددة في دول مثل السودان، وقاد عمليات استخباراتية معقدة.
من نائب للرئيس إلى مرشح للرئاسة
في 29 يناير 2011، عُين سليمان نائبًا لرئيس الجمهورية في خضم ثورة 25 يناير. لعب دورًا محوريًا في إدارة الأزمات والتفاوض مع قوى المعارضة بشأن الإصلاحات الدستورية. ورغم التحديات التي واجهها، بما في ذلك استبعاده من الانتخابات بسبب نقص التوكيلات المطلوبة، أظهر التزامًا ورغبة في خدمة الشعب.
الرحيل الغامض وتأثيره العميق
توفي اللواء عمر سليمان في 19 يوليو 2012 أثناء تلقيه العلاج في الولايات المتحدة، في ظروف غامضة. المعلومات الأولية أشارت إلى اضطرابات في صمام القلب، ولكن التفاصيل ظلت محاطة بالسرية والغموض، مما أثار تساؤلات حول ظروف وفاته. كما انتشرت شائعات حول محاولة اغتياله في سوريا، ولكن هذه الأنباء لم تثبت صحتها.
إرث مستمر وتأثير دائم
في الذكرى الثانية عشرة لرحيله، نعيد التأمل في بصمات اللواء عمر سليمان في مختلف المجالات التي خدم فيها. كان رجل دولة محنكًا وعسكريًا بارزًا، وترك خلفه إرثًا من التفاني والإخلاص. حصل على العديد من الأوسمة والأنواط، بما في ذلك وسام الجمهورية من الطبقة الثانية، ونوط الواجب العسكري، وميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة.
تظل ذكراه حية في قلوبنا، وتدفعنا لتأمل دروس عطاءه وتجربته الثرية. في هذه الذكرى، نخلد اسمه ونواصل مسيرته في خدمة الوطن بكل إخلاص، مستلهمين من شجاعته وإرادته القوية في مواجهة التحديات. ذكرى رحيله تدعونا للتفكر في تأثيره على مسيرة الوطن، وتذكير بأن الوطن يحتاج إلى قادة مثله في إخلاصهم وشجاعتهم. نحيي ذكراه بكل تقدير، ونستمر في العمل من أجل الوطن، مستلهمين من إرثه وتجربته.