ميشيل أوباما زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، أحد أبرز الأسماء اللامعة على الساحة الاجتماعية منذ وصول زوجها إلى البيت الأبيض كأول رئيس أسمر، بل أصبح احتمال ترشحها للانتخابات الرئاسية يوما ما حديثاً دائماً وأمنية لدى قطاعات واسعة من الأمريكيين الديمقراطيين، لكن خلال تلك السنوات طاردتها ادعاءات عادت مجدداً بقوة عن كونها متحولة جنسية سرية. يبدو الأمر صادماً، لكن تلك الادعاءات متواجدة منذ سنوات ويزداد انتشارها مع مرور الوقت، لدرجة أن وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية ذاتها نشرت مؤخراً تقريراً عن الأمر، وكذلك صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية المرموقة. ما القصة؟ تلقى قصص “نظريات المؤامرة” رواجاً كبيراً لدى فئات واسعة من الشعب الأمريكي، فتجد لديهم أكثر من غيرهم الكثير من الحكايات المترابطة بشكل مذهل عن أشخاص وأحداث تجعلك تصدق أفكاراً ربما تبدو في البداية غير معقولة من تأليف شخص صاحب خيال خصب جامح بشكل لا نظير له. ومن بين تلك النظريات المنتشرة على نطاق واسع خلال السنوات الماضية عن الـ”transvestigators” وهو مصطلح يشير إلى المتحولين جنسياً سراً، حيث يدعي القائلون بها أن عددا كبيراً من المشاهير من السياسيين والرياضيين والفنانين هم في الحقيقة “متحولون جنسياً” في السر. ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد تداول تلك النظريات قاصراً على بعض المواقع الإلكترونية غير الموثوقة أو المدونات، بل امتد إلى الصفحات والمجموعات مع وجود تحليلات بالصور ومقاطع الفيديو ربما لأصابع يد أو عظام رقبة أو وجه لأحد هؤلاء المشاهير يبنى عليها أن هويته الجنسية الحقيقية غير التي يعلنا، وبشكل أوضح التركيز على إبراز صفات أنثوية لدى الذكور أو ذكورية لدى الإناث، بدون أي أدلة دامغة على تلك الادعاءات. وعن ميشيل أوباما، كما هو مذكور، فإن الادعاءات حول الهوية الجنسية للسيدة الأولى السابقة تعود إلى سنوات مضت منذ تولي باراك أوباما منصبه، وظلت تتنامى حتى خرج نائب حاكم ولاية كارولينا الشمالية مارك روبنسون قبل انتخابه بمنشور عبر “فيسبوك” في 2017، أشعل تلك الادعاءات حيث قال: ”ميشيل أوباما معاد للولايات المتحدة، والإجهاض وزواج المثليين، والنخبة اليسارية الليبرالية، وسأكون سعيدا عندما يأخذ صديقه ويغادر البيت الأبيض”، وكما تلاحظ فقد أشار إليها في منشوره بضمير مذكر. تلقى روبنسون انتقادات كبيرة بسبب هذا المنشور وفي عام 2020، قرر أن يرد على هذا الهجوم عند سؤاله في مقابلة صحفية وقال: ”أنا لا أخجل من أي شيء أنشره”. وبالطبع، عزز ذلك من تلك الادعاءات. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ظهرت ادعاءات بدليل يبدو أكثر حجية، وهو أن والدة ميشيل أوباما كتبت في وصيتها أن ممتلكاتها يجب أن تذهب إلى ابنها مايكل روبنسون أوباما، مما يدل على أن السيدة الأولى السابقة هي ذكر بيولوجيا في الأصل. هل ميشيل أوباما متحولة جنسياً؟ نشرت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية تقريراً في يوليو الماضي، يكشف حقيقة الأمر، وقالت فيه إن هذه الادعاءات بشأن الوصية مزيفة، وهي جزء من نظرية مؤامرة تتضمن العديد من الأكاذيب، وخرجت في الأساس في سياق توجيه الإهانة لها. وأوضحت أن هذه “قصة مزيفة عمرها سنوات عن والدة ميشيل أوباما ووصيتها ظهرت سابقا على مدونة ” disclaimer” والتي تحمل شعار “كل شيء على هذا الموقع هو محض خيال”. وذكرت الوكالة:”تخطئ القصة في تعريف والدة أوباما، ماريان شيلدز روبنسون، باسم ماري ماكجيليكودي روبنسون، وتزعم كذبا أنها توفيت. وتمضي إلى الادعاء الكاذب بأن وصية روبنسون تعرف ميشيل أوباما بأنه مايكل روبنسون أوباما، مما يشير إلى أنها ذكر بيولوجيا. ولا يدعم أي من الادعاءين الأدلة”. كما تحتوي القصة على العديد من الأكاذيب الأخرى، بما في ذلك الادعاء بأن سكان إلينوي لا يمكنهم تغيير جنسهم بشكل قانوني في سجلات الولاية. توضح إدارة الصحة العامة في إلينوي أنه يجوز للمقيمين في إلينوي تقديم استمارات لطلب تغيير الجنس في شهادة ميلادهم. على الجانب الآخر، قالت “بوليتيكو” إن السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما كانت صريحة في دعمها للمرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن وزميلته في الترشح السناتور كامالا هاريس قبل انتخابات 3 نوفمبر. لكن حملتها الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين جعلت أوباما مرة أخرى هدفا للتضليل عبر الإنترنت. وأحيا أحد منشورات فيسبوك مزاعم تركز على النوع الاجتماعي عن أوباما انتشرت على الإنترنت لسنوات، والذي جاء به: ”كم منكم لا يزال لا يعرف أن ميشيل أوباما ولدت مايكل لافون روبنسون وهو رجل؟”. وقالت “بوليتيكو” إنه لا يوجد أي دليل على أن ميشيل أوباما تم تصنيفها ذكرا عند الولادة أو سميت باسم ‘مايكل’. ولم يمنع عدم وجود أدلة على الادعاءات العديد من الأشخاص الذين لديهم منصات كبيرة من القول إن أوباما امرأة متحولة جنسيا. أليكس جونز، مقدم برنامج حواري يركز على المؤامرة، دفع مرارا وتكرارا هذه الادعاءات في برنامجه. في عام 2017، أصدر مقطع فيديو مدته 12 دقيقة قام خلاله بتحليل الصور ومقاطع الفيديو التي يعتقد أنها أثبتت أن أوباما امرأة متحولة جنسيا. هل دافع النظرية عنصري أم سياسي أم ديني؟ لا يبدو أن الأمر يتعلق بالعنصرية أكثر من تعلقة بالمنافسة السياسية، فعلى سبيل المثال، مارك روبنسون، الذي أشار إلى ميشيل أوباما بضمير المذكر، هو رجل أسمر البشرة، ولكنه ينتمي إلى الحزب الجمهوري بالطبع. وكما ذكرت “بوليتيكو” أن تلك الجملة على ميشيل أوباما عادت بسبب دعمها حملة بايدن وهاريس أمام حملة الرئيس السابق دونالد ترامب. كما تشير “فوكس نيوز” في تحليلها لنظرية التحول الجنسي السري، إلى الوزاع الديني لدى بعض الأمريكيين الرافضين لتوجه دعم مجتمع المثلية في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يلقون هذه الادعاءات لإحراج داعمي المثليين لأنهم سيضطرون للنفي ما يصور الانتماء إلى مجتمع الميم بأنه اتهام ووصمة في حد ذاته على عكس ما يقولوه أمام الإعلام. الأدلة المفندة تشمل الحقائق البيولوجية والطبية، حيث وُلدت ميشيل أوباما في 17 يناير 1964 في شيكاغو، إلينوي، باسم ميشيل لافون روبنسون، ولا توجد أي سجلات طبية أو وثائق رسمية تدعم الادعاء بأنها متحول جنسيًا، إضافةً إلى تصريحات شخصية وأسرية، حيث لم يتم تقديم أي تصريحات من ميشيل أوباما أو عائلتها تؤكد هذه الادعاءات، بل على العكس، فإن حياة ميشيل أوباما الشخصية والعائلية معروفة وواضحة، وهي أم لابنتين، ساشا وماليا، اللتين ولدتا بطريقة طبيعية، كذلك التغطية الإعلامية الموثوقة، إذ لم تقم أي وسيلة إعلامية موثوقة بنشر أو تأكيد هذه الإشاعات، حيث تعتمد وسائل الإعلام الموثوقة على مصادر مؤكدة وموثوقة قبل نشر أي معلومات، ولم يتم العثور على أي تقرير يدعم هذه الادعاءات. إن انتشار مثل هذه الإشاعات يؤثر سلبًا على الشخصيات العامة وعلى صورتها في المجتمع، وقد واجهت ميشيل أوباما هذه الإشاعات بالكثير من الصبر والتحمل، مركزةً على نشاطاتها الإنسانية والاجتماعية بدلاً من الرد على هذه الادعاءات.