الباليرينا د. سحر حلمي هلالي تكتب : أخناتون – غبار النور

عظيمة يا مصر يا أرض النور والتنوير
يا مهد الفنون والعلوم، يا قدس الأقداس.
يا أرض أخناتون وآمون وإيزيس و أوزوريس
يا أرض الاله حتحور أله الفن والحب عند قدماء المصريين.
ذلك ما شعرت به عندما شاهدت عرض أخناتون – غبار النور للمخرج وليد عوني
وهو عرض مسرحي راقص أحد أنواع العروض المعاصرة بالعالم في عالم الرقص اليوم.
وعرض أخناتون يعد عرضا فنيا ثقافيا سياسيا من النوع الراقي، حرية التعبير في أرقى صورها..
عرض يجمع ما بين الماضي بجماله والحاضر بقساوته.
في ليلة واحدة وفي ساعة واحدة نسترجع معا تاريخنا ماضينا وحاضرنا. ليس فقط تاريخ مصر بل تاريخ شعوب منطقة الشرق الأوسط
نسترجع حالنا بين ما كنا عليه وما أصبحنا فيه.
أختار وليد عوني مصر والحضارة الفرعونية لأهميتها وقوتها بين حضارات العالم لتكون مدخله لتقديم رؤيته الفنية والسياسية في عرض مسرحي راقص..
نقد ثقافي فني بلغة المسرح الراقص على موسيقى وسينوغرافيا رائعة
لا يوجد بالعرض أي استعراض أو ابهار بالشكل الاستعراضي المعروف.
لكنها حالة من حالات الأبداع الذهني المتمثل في شكل عرض مسرحي راقص
وتلك النوعية من العروض لن تجد من ينتجها في أي دولة بالمنطقة سوى مصر لقدرتها على تفهم واستيعاب ما هو جديد من أشكال الفنون المعاصرة بالعالم.
ومفهوم المعاصرة في الفن لا يطلق حسب الترتيب الزمني فقط.
إنما هي طريقة التناول والمعالجة للعرض الذي يقدم.
وكيفية استخدام معايير جديدة قد تكون مثيرة للجدل.
تلك الخطوة المعاصرة الفنية الجديدة التي تخطت حدود أنواع الفنون المختلفة شجعت مصممي ومبدعي الرقص على الاتجاه بشكل أكبر وأوسع في استخدام أنواع فنون متعددة ومختلفة في العرض الواحد. فأصبحت أحد سمات الأعمال المعاصرة حيث نجد النص الكلامي والرقص الدرامي واختلاف المقطوعات الموسيقية توظيف للديكور والإضاءة بصورة درامية معبرة تخدم العمل الفني.
فوجدت نفسي أثناء العرض أنتقل في حالة روحانية الى معابد مصر القديمة دون أن أدري رغم أن العرض بدأ بأخناتون يوجه رسالة من رسائله للعالم اليوم. ومن عالمنا اليوم انتقلنا
بمنتهى السلاسة الى الماضي. أخذنا المخرج وليد عوني الى عصر قدماء المصرين.. فوجدتني في معابد قرنه بين ملوك وملكات مصر القديمة.. حيث كان يدعو أخناتون الى توحيد الألة … والتي بسببها تم تدمير تل العمارنة
لتعارض مصالح كهنة آمون مع أخناتون. فالمُلك أصبح بيد شخص واحد بعد أن كان يتشارك فيه مجموعة من الكهنة بواسطة مجموعة من ألاله … فوقع صراع ديني ساسي أدى الى دمار أخناتون ومعابد أخناتون بتل العمارنة..
وفجأة ينقلنا المخرج وليد عوني بسخريته المعهودة الى عصرنا الحالي فنرى أمام أعيننا أخناتون وهو يتحول الى مواطن معاصر بزيه المعاصر يرتدي نظارة شمسية ليحتمي من أشعة الشمس التي كان يدعو لعبادتها. كذلك كل ملوك الفراعنة أمثال نفرتيتي ونفرتاري اللذين تحولوا الى أفراد من شعب مصر المعاصرة وشعوب منطقة الشرق الأوسط، سعداء بالفرنجة يرقصون على الحان غربية يرتدون أزياء معاصرة فرحين باستهلاك منتجات الحضارة الغربية المعاصرة.. غير منتبهين لما يحاك لهم.
فتحولو الى شعوب تموت في البحار بسبب الهجرة الغير شرعية. كما أصبحوا لاجئين بين دول العالم حُفاه عراه بلا مأوى ولا وطن.. رؤية مؤلمة لواقع صعب مرير تحياه شعوب المنطقة في العصر الحالي.
في عرض درامي حركي مسرحي سياسي راقص بلغة معاصرة.. عرض يمكنني أن اسميه السهل الممتنع حينما تشاهده تعتقد أنك يمكنك إخراجه بسهولة أما الحقيقة أنه من شدة تركيبه أصبح سهلا بسيط الفهم لجمهوره.
بالتأكيد كان على أن أتحاور مع المخرج وليد عوني بعد العرض.. فلقد عملت معه منذ وصوله للعمل بمصر لأول مرة..
وها هو حواري معه
وليد: لماذا لم تعد تهتم بالتكوينات الحركية كما كنت بالماضي؟
فأجابني: لم تعد الحركة تهمني كما كنت بالماضي. فبطل العرض عندي هو معنى وروح العرض وحرية التعبير عن فكرة العرض. أما التكوينات الحركية الجميلة فلم تعد تعنيني مطلقا الآن.
ألا تخشى ألا يعجب المشاهد بعروضك؟
أنا أصمم تلك العروض أولا لنفسي.. هي فكرة وحالة لابد أن تخرج مني في صورة عمل فني وتلك الفكرة أختزلها بداخلي منذ فترة وجاء الوقت لخروجها على خشبة المسرح.
لماذا لا تستخدم راقصين أجانب بفرقتك وعروضك؟
رغم أنك مخرج مشهور حاليا وإذا طلبت استقدام راقصين أجانب للعمل معك لن يرفض طلبك..
هذا حقيقي لكني محتاج الى الروح المصرية بعروضي، أحتاج الى اجسام مصرية.
أنا لا ابحث عن أمكانيات جسدية خارقة أو مثالية كما بالرقص الكلاسيكي.. هذا مسرح راقص أحتاج فيه الى كل أشكال وأحجام البشر..
بالإضافة الى أننا نقدم دار الأوبرا المصرية بهذه العروض داخل مصر وبمختلف دول العالم بالمهرجانات والمسابقات العالمية والمحلية. فيجب ان يكون الفنانين مصرين ليمثلوا مصر. ولقد اكتشفت مواهب جديدة في هذا العرض فالراقص (علي يسري) الذي قدم دور أخناتون هو قريب الشبه جدا من تمثال أخناتون وهو خريج معهد الباليه بأكاديمية الفنون ويعمل بفرقة باليه أوبرا القاهرة، لكن لم يتم توظيفه بالطريقة الفنية التي وظفته بها.. ومن الطبيعي أن نجد بين المصريين أشباه لملوك وملكات مصر القديمة فأنتم أحفاد الفراعنة.
ولماذا أظهرتنا لاجئين في أخر العرض؟
فالمصريين ليسوا لاجئين في منطقة الشرق الأوسط؟!
هذا حقيقي الحمد لله مصر بخير ونحن جميعا نحتمي بها. لكني أولا وأخيرا أنسان أعيش بالمجتمع العالمي وأعاصر الأحداث العالمية من خلال نشرات الأخبار وكل مواقع التواصل الاجتماعي وتأثرت كثيرا بما يحدث للعديد من دول الشرق الأوسط وشاهدت الطفل الذي وجد جسده ملقى على شواطئ ء البحار في أشد صور العالم قسوة وكان على أن أقدم هذا المشهد الصادم الذي صدمني بل وصدمنا جميعا على خشبة المسرح.
حتى لو كنت أقدم عرض عن تاريخ فرنسا كنت سأضع هذا المشهد الصادم للإنسانية، حتى ينتبه العالم لما يحدث من مأسي بشعوب منطقة كانت يوما ما مهد الحضارات الانسانية.
وأخيرا أنا دائما ما تراوضني فكرة الموت لأن لكل شيء نهاية، فنحن نعيش طوال الوقت نهايات صغيرة ومتكررة في حياتنا اليومية فكنت محتاج أن أعبر عن تلك النهاية في واقعنا المعاصر …
واجهنا المخرج وليد عوني بواقعنا في عرض مسرحي درامي سياسي راقص..
منتج فني ثقافي لن تنتجه ألا بلد كمصر لديها قوى ناعمة تُقدر وتشجع حرية الفكر المستنير والفن والأبداع.. أنها حرية التعبير في أرقى صوره.
وتلك وظيفة الفن في المجتمع..

الأستاذة بأكاديمة الفنون

The post الباليرينا د. سحر حلمي هلالي تكتب : أخناتون – غبار النور appeared first on جريدة الاخبارية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى