التحول الجذري في قضية فلسطين
لطالما كانت قضية فلسطين قضية شعب احتلت أرضه ونُكِّبَتْ بوجود مستعمر أجنبي على أرضها. لكن في العقود الأخيرة، شهدت هذه القضية تحولاً جوهرياً. فبدلاً من التركيز على الشعب الفلسطيني ككل، أصبحت القضية مرتبطة بجماعات دينية شديدة التطرف. كيف ولماذا حدث هذا التحول؟ وكيف أبعدت هذه الجماعات النساء والمسيحيين واليساريين والتيارات الأخرى عن المشهد؟ للإجابة على هذه التساؤلات، يجب النظر إلى السياق التاريخي والسياسي الذي أدى إلى هذا التحول العميق.
دور إسرائيل في تصوير المقاومة كجماعات متشددة
بالنسبة لإسرائيل، يعد إظهار المقاومة الفلسطينية كجماعات متشددة دينياً أمراً مفيداً للغاية. فالعالم اليوم يشعر بقلق عميق تجاه الجماعات المتطرفة التي تستخدم نفس خطابات القاعدة وداعش. نجح الإعلام الإسرائيلي في استغلال هذه المخاوف العالمية، ليصدر للعالم صورة عن المقاومة الفلسطينية كأنها جماعات إرهابية مسلحة، أقرب إلى التنظيمات المتطرفة التي يخشاها العالم أجمع.
ما قبل انقلاب 2006 في غزة
قبل انقلاب 2006 في غزة، كان المشهد الفلسطيني مختلفاً تماماً. كانت النساء والمسيحيون والمثقفون في مقدمة المشهد الفلسطيني، وكان العالم يسمع لهم باهتمام شديد. بفضل هؤلاء القادة والمفكرين، استطاع الفلسطينيون عرض قضيتهم بوضوح وانتزاع قرارات دولية من الأمم المتحدة في غاية الأهمية. كان العالم يتحدث عن حل الدولتين، وكان هناك أمل حقيقي في تحقيق سلام دائم وعادل.
صعود جماعات التطرف الديني
ولكن يبدو أن إسرائيل، التي لا تريد إقامة الدولة الفلسطينية، قد سمحت بصعود جماعات التطرف الديني. عندما احتلت حماس قطاع غزة في 2006، حدث شيء ما في السر بين إسرائيل والحكومات العربية. هذا التحالف الخفي سمح لحماس بقيادة هذا الجزء من فلسطين، والذي سرعان ما تحول إلى منطقة لإقامة الجماعات المتشددة. فصعود هذه الجماعات لم يكن عشوائياً، بل كان نتيجة تحركات استراتيجية.
حكم المتطرفين ومعاناة الشعب
إن حكم الجماعات المتطرفة قد حول حياة أهالي غزة إلى جحيم. على مدى 18 عاماً من حكم جماعة الإخوان المسلمين، عانى سكان غزة من القمع والتضييق. هذه الجماعات حولت القطاع إلى منطقة مغلقة يعيش فيها الناس تحت رحمة التطرف. تحول الإعلام الفلسطيني تدريجياً إلى صوت لجماعة الإخوان، ممثلة في حركة حماس والجهاد الإسلامي والحركات الأخرى.
التمويل والدعم من إسرائيل وقطر
من المفارقات الكبرى أن التمويل والدعم الذي تتلقاه هذه الجماعات يأتي من جهات غير متوقعة. فقد كشفت التقارير عن تمويل قطر وإسرائيل لجماعات دينية متطرفة لضمان بقائها في السلطة. هل تعلم، عزيزي القارئ، أن الموساد الإسرائيلي يمنح حركة حماس الماء والكهرباء والغاز والمحروقات والإنترنت والطعام والدواء؟ يتضح من الأحداث الأخيرة أن إسرائيل لا تريد القضاء على جماعات التطرف الديني، بل تسعى لحمايتها، وتطلب سراً وعلانية من الدول العربية الصديقة دعمها بالمال والغذاء والعلاج.
استراتيجية إسرائيل في دعم التطرف
إن دعم إسرائيل لجماعات التطرف الديني ليس صدفة. فهي تسعى لاستغلال هذه الجماعات لضمان عدم إقامة دولة فلسطينية. بالنسبة لإسرائيل، فإن وجود جماعات متطرفة في السلطة يبرر عدم التوصل إلى حل سلمي. هذه الجماعات تعطي إسرائيل الذريعة المثلى لتجنب المفاوضات وإبقاء الحال على ما هو عليه. فالعالم يخشى من قيام دولة فلسطينية تحكمها جماعات متطرفة، وإسرائيل تستغل هذا الخوف لتبرير سياساتها.
البداية نحو الحل
أرى أن بداية حل هذه الأزمة وإفساد المخطط الإسرائيلي يكمن في إنهاء وجود جماعات التطرف الديني. يجب السماح لممثلي الشعب الفلسطيني الحقيقيين من المثقفين والنساء والمسيحيين بالعودة إلى واجهة المشهد الفلسطيني. هؤلاء القادة والمفكرين يستطيعون إعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح. إنهم قادرون على مخاطبة العالم بلغة العقل والمنطق، بعيداً عن التطرف.
التحديات والمستقبل
ولكن السؤال يبقى: هل سيسمح المتطرفون في إسرائيل بنهاية الجماعات الدينية المتطرفة في غزة؟ هل سيتخلون عن دعمهم لهذه الجماعات؟ أم أنهم سيستمرون في دعمها للبقاء في السلطة لضمان عدم إقامة دولة فلسطينية بحجة أنها ستكون دولة تحكمها جماعات متطرفة؟ الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب تحليلاً عميقاً للمصالح السياسية والاقتصادية التي تتحكم في المشهد.
الخاتمة: العودة إلى الأصول
في النهاية، يجب أن نعود إلى الأصول ونركز على حقوق الشعب الفلسطيني. يجب أن نعترف بحقوقهم الشرعية في العيش بكرامة وسلام في دولتهم المستقلة. الحل يكمن في التوازن والعدالة، وفي إزالة التأثيرات الخارجية التي تسعى لتعزيز التطرف. فقط من خلال ذلك يمكننا أن نحقق سلاماً دائماً وعادلاً للشعب الفلسطيني.