تصنع زوجة القروي (حسين الفقير) الجبن، ويقوم ببيعه في المدينة لإحدى البقالات. كانت الزوجة تعمل الجبن على شكل كرة وزنها كيلو، هو يبيعها على صاحب البقالة ويشتري بثمنها حاجات البيت. في أحد الأيام شك صاحب البقالة بالوزن، فقام بوزن كل كرة من كرات الجبن فوجدها (900) غرامًا، فغضب من القروي الفقير. عندما حضر حسين الفقير في اليوم التالي قابله بغضب وقال له:
“لن أشتري منك، لأنك تبيعني كرة الجبن على أنها كيلو، ولكنها أقل من الكيلو بمئة غرام!”
حينها حزن حسين الفقير ونكس رأسه ثم قال:
“نحن يا سيدي لا نملك ميزانًا، ولكني اشتريت منك كيلو من السكر وجعلته لي مثقالًا لكي أزن به الجبن! (تيقنوا تمامًا أن: مكيالك يكال لك به).”
تذكرت هذه القصة، وأنا أقارن بين ما يصرف من رواتب لأعضاء مجلس النواب العراقي، وبين ما يُمنح للمدرسين المحاضرين الذي لا يتجاوز ٢٥٠ ألف دينار. قال عضو مجلس النواب في إحدى لقائاته على الفضائيات أنه استلم مليار و ٢٥٠ مليون دينار عن تقاعد 9 أشهر خدمها في الجمعية الوطنية وهي تعادل رواتب 5000 مدرس محاضر شهريًّا.
يتقاضى أعضاء مجلس النواب العراقي تقاعدًا وامتيازات لا نظير لها في العالم حتى باتت رواتبهم ترهق الموازنة السنوية. ويحصلون على المخصصات والسيارات المصفحة والحمايات والنفقات وخدمات أخرى والرواتب التقاعدية، بينما ينال موظف خدم الدولة أكثر من 35 سنة راتبًا تقاعديًا بسيطًا عبارة عن آلاف من الدنانير.
كلّف مجلس النواب من عام 2006 إلى الآن الدولة مبالغ هائلة لا يمكن مقارنتها مع أعضاء البرلمان في دول العالم كأمريكا وروسيا والصين وفرنسا والسويد وبريطانيا وألمانيا لهم مخصصات معينة كنقل أو خطورة، وحين انتهاء الدورة يعود إلى وظيفته وعمله السابق، أما في العراق فأصبحت المسألة معقدة. المشكلة ليست فقط في الرواتب التقاعدية التي لا تتناسب مع مدة الخدمة وإنما باحتفاظ النائب بطاقم الحماية والسيارات والمنزل والامتيازات بعد انتهاء دورته، وهذه كلها محسوبة على الموازنة العامة، والمشكلة أنهم يتحدثون بالإصلاح وقادتهم من مدعي الإصلاح والتغيير.
بلغت رواتب الرئاسات الثلاث في الموازنة العامة الماضي أكثر من 344 مليار دينار، بينما بلغت رواتب رئاسة الجمهورية فقط 33.630 مليار دينار، وبلغت رواتب مجلس النواب 220.141 مليار دينار، وبلغت رواتب الأمانة العامة لرئاسة الوزراء 81.176 مليار دينار.
لقد تجاوز عدد الموظفين في تلك الدوائر 5926 موظفًا والذي يتجاوز كل موظفي الحكومة الأمريكية، حيث يبلغ متوسط الراتب الشهري للموظف الواحد في مجلس الوزراء 4.850 مليون دينار، وتتجاوز المخصصات والنفقات الأخرى قيمة الرواتب. إن إحالة أعضاء مجلس النواب للدورة السابقة للتقاعد مخالفة دستورية وقانونية، لأن إلغاء المادة 13 من قانون مجلس النواب العراقي سمحت بتقاضيهم رواتب خلافًا لقانون التقاعد رقم 9 لسنة 2014.
إن مقدار هدر المال العام في رواتب ومخصصات المنصب والشهادة وبدل السكن والحمايات لأعضاء مجلس النواب كالاتي:
الراتب الاسمي 4 مليون
مخصصات منصب 2 مليون
بدل إيجار سكن 3 مليون
تُحتسب مخصصات الشهادة:
- دكتوراه 100% من الراتب الاسمي
- ماجستير 75% من الراتب الاسمي
- بكالوريوس 45% من الراتب الاسمي
- معهد 35% من الراتب الاسمي
لذلك، رواتب أعضاء مجلس النواب العراقي الشهرية تتراوح ما بين 10 – 13 مليون دينار. أي يكون راتب النائب خريج الإعدادية 10 مليون دينار، أما النائب الذي يحمل دكتوراه فيكون راتبه 13 مليون دينار. إضافة إلى ذلك، هناك توفير تخصيصات وقود العجلات تبلغ 1 مليون دينار شهريًّا، وتوفير خدمة الاتصال بخط مفتوح، كذلك إيفادات السفر تكون 600 دولار لليوم الواحد عند السفر.
أما ما يخص الحمايات وفريق عمل النائب فتُوفر له تخصيصات رواتب 16 فردًا، لكل فرد من الحماية راتب 1,020,000 أي يكون مجموع رواتب حماية النائب 16.320 مليون دينار. يعني النائب الواحد مع حمايته ووقود سياراته يكلّف الخزينة 30 مليون دينار عراقي شهريًّا. وكلفة رواتب أعضاء مجلس النواب 9 مليار و 840 مليون دينار عراقي شهريًّا!
ربنا انصر عبادك المستضعفين، وانتقم من المطففين الجبارين
البروفسور د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي