بقلم: نهى عراقي
مع كل إشراقة فجر، تتحسس ذرات أنفاسه عبر قطرات الندى الغرة النقية. ومع كل إشراقة شمس، تترقب رسالته، لكنه لم يفعل ولن يفعل. تصنع من أنفاس الحنين مجدافًا لتعبر بحر الأشواق ووجع الاشتياق، تسكن في حرم السكون وتحلق في سماء خيالها وذكرياتها معه. وحروفه الخالدة التي دونها على صولجان قلبها المهزوم تظل تواسيها في غربتها. تسكن إلى الخيالات التي تدور بداخلها، لعلها تقطف حفنة صبر جديدة كي تواصل بها الأيام الثقال منذ رحيله عنها.
كانت تشعر أنه دائمًا عصي اللقاء عليها لغيابه الدائم عنها. فكانت تتمرد على هذا الفراق غير المبرر، فتبتعد هي الأخرى وتهجر أكثر وأكثر كي يشعر بها، لكن عندما يعود، تحلق في سمائها المبهجة، والدموع تترقرق في عينيها من شدة فرحتها بعودته التي لم تدم إلا سويعات. تلك اللحظات القصيرة من السعادة كانت تملأ قلبها بالأمل، لتعيدها إلى دوامة الاشتياق والعذاب حينما يرحل مجددًا.
الحب المرهق
كم أنهكها ذلك الحب والود المتقطع، الذي سرعان ما يترك فؤادها يعتصر وروحها تجف وتئن من اشتياقها بعد أن كانت إعصار عشق يعزف ألحان وترانيم على قلوب العاشقين. كانت تشعر بأن حياتها تدور حول هذا الحب المرهق، وكأنه رحلة بلا نهاية بين السعادة المؤقتة والحزن العميق. كم كان يمثل لها نبض شريان الحياة، فهو وتين القلب. صوته الممزوج بروعة الحنان والعطف، كلماته التي لا تخلو من خفة دمه وظله، حضوره المغلف بالأمان والحنان وكأنه الأب السند. كثيرًا ما أخبرته بذلك، ترى فيه العزوة والأمان. حتى غيابه، الذي طالما يزعجها، كان ممزوجًا بروعة الحضور وعطر الزهور وشعاع الشمس مع لسعة نسيم الصباح. فهو البعيد القريب الذي يملأ حياتها رغم بعده.
الأمان في حضوره
كان يجيد العزف على أوتار قلبها الصغير، فيهطل كالمطر ببساتين من الورد والياسمين والعطور، وكأن القمر وقع بين كفيها. عطر ذرات أنفاسه يسكنها رغم بعد المسافات، تناديه بالروح، يجيبها بالقلب. كانت تشعر بالأمان في حضوره، وكأن كل هموم العالم تتلاشى بوجوده. كان هو الملاذ والملجأ، الحصن الذي تلجأ إليه في كل أوقات ضعفها، وكان حضوره يغمرها بالأمان والدفء.
الغياب الأخير
لم تكن تعلم أنه اللقاء الأخير. لو علمت، لتركت يديها تعانق يداه بقدر الاشتياق وسنوات الفراق. لم تعلم بحقيقة ذلك الغياب، ولم تكن تعلم بمرضه إلا عندما علمت أنه فارق الحياة غفلة، كما تسلل إلى قلبها غفلة. تركها مع كلماته الخالدة، ما زالت تصول وتجول وتحيا بينها. صوته يسكن أوردتها مع كل إشراقة شمس وغروبها. باتت العين لا تعرف سبيلًا للنوم، وجف دمعها كالشمعة، دمعة فوق دمعة، حتى جفت وانطفأت. ضاعت عناوينها برحيله، رحيل أمير الغياب، ذلك البعيد القريب.
الألم بعد الرحيل
باتت أياماها خالية من الألوان بعد رحيله، حيث كانت تستيقظ على أمل سماع صوته أو رؤية رسالته، لكن الآن، كل ما تبقى هو الذكريات والصور القديمة التي تحملها بين يديها بدموع لا تتوقف. أصبحت حياتها مسرحاً للألم والحنين، حيث كانت تبحث في كل زاوية عن أثر له، وفي كل لحظة تتمنى لو يعود، حتى لو للحظات قليلة. كانت تشعر بأنه أخذ معه جزءًا من روحها، وأنها لن تعود كاملةً مرة أخرى بدونه.
الحب الخالد
ذلك الحب الذي جمع بينهما كان أقوى من الزمن، وأعمق من الفراق. كان حباً خالداً لم يتأثر بمرور الأيام، ولم يتلاشى رغم البعد. كانت كلماته الأخيرة ترن في أذنيها، وتجعلها تشعر بوجوده حولها، وكأنه لم يرحل. كانت تردد بين نفسها أن الحب الحقيقي لا يموت، وأنه سيظل يعيش في قلبها وعقلها، مهما كانت الظروف.