نقلا عن جريدة وطنى
منذ ستة أسابيع كتبت في هذا المكان تحت عنوان: دون رؤي جديدة خارج الصندوق.. لا مفر من وداع الصحافة الورقية لحساب الرقمية حيث استعرضت كلا من التحدي الاقتصادي والتحدي الزمني اللذين تواجههما الصحافة الورقية المطبوعة: التحدي الاقتصادي المتمثل في تضخم النفقات مقابل انكماش الإيرادات, تتصاعد تكاليف الطباعة باطراد نتيجة انعكاس انفلات أسعار الورق ومستلزمات الطباعة وقيمة العملة, علاوة علي تراجع الإيرادات نتيجة تدني الإعلانات والتوزيع… ولعله يجدر بي أن أكرر أن انحسار الإيرادات في أرباح كل من الإعلانات والتوزيع هو ما يقصره المجلس الوطني لتنظيم الإعلام علي موارد المؤسسات الإعلامية- ولا يسمح بغيرها- الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلي اتساع الفجوة بين النفقات والموارد ويضع مستقبل الصحافة المطبوعة علي المحك.
كما استعرضت أيضا التحدي الزمني الذي تواجهه الصحافة الورقية المطبوعة, حيث نعيش في أيامنا هذه مرحلة مصيرية انتقالية تشهد انحسار الصحافة الورقية أمام اجتياح الصحافة الرقمية الإلكترونية.. وذلك واقع مرتبط بعصر جديد يأتي بأدوات جديدة وتكنولوجيا جديدة, عصر ينتقل من جيل يسلم جيلا, وأدوات تنحسر أمام أدوات تزدهر, لذلك لا يجب أن نبكي أو نذرف الدمع علي وداع الصحافة الورقية لأنها إن احتجبت في صورتها الورقية المطبوعة لن تختفي في ذات صورتها التي تقدمها الصحافة الإلكترونية تحت عنوان ملف PDF.
ما دعاني إلي معاودة إثارة هذا الأمر ليس فقط تذكير وتحصين قراء وطني إزاء ما هو محتم أن يحدث, ولكن لمشاركتهم في المستجدات التي تطرأ علي الساحة في هذا الخصوص, ومنها ما تلقته وطني مؤخرا من إدارة مطابع الأهرام التي دأبت علي طباعة الصحيفة منذ عام 1958 -والتي حان وقت الاعتراف بأن وطني تربطها بجميع إدارات وأجهزة مؤسسة الأهرام كل العلاقات الوثيقة الحميمة التي تسمو فوق أي معايير اقتصادية أو مهنية.. حيث تم إخطار وطني من مطابع الأهرام أنه في حالة عدم القدرة علي الوفاء بالمديونية المتراكمة والمترتبة علي طباعة الصحيفة الورقية فسوف يتم اختصار الكمية المطبوعة إلي النصف لمدة أربعة أسابيع, وبعدها سيتم التوقف تماما عن طباعة وطني لدي مطابع الأهرام.
وأكرر أن هذا ليس عرضا لخصومة ناشئة بين وطني والأهرام فنحن في وطني نتفهم ونقدر الدوافع الاقتصادية التي حدت بمطابع الأهرام لاتخاذ ذلك القرار, ونأمل أن نتدبر أمورنا للوفاء بالمديونية المستحقة للأهرام, وحتي يتم ذلك نتقبل جميع التدابير التي تمليها المصالح الاقتصادية للأهرام مع تثميننا لعمق العلاقة التي ربطتنا بالأهرام عبر 65 سنة منذ 1958 حتي عامنا هذا, وندرك تماما أن ما نحن نواجهه ما هو إلا انعكاس لمتغيرات عصر يسلم عصرا جديدا, وجيل ينحسر ليفسح الطريق لجيل جديد, وأدوات تودع مستهلكيها لينتقلوا إلي مرتبة مستهلكين لأدوات عصرية جديدة.
أرجو أن يجد مقالي هذا طريقه إلي عقول شريحة عزيزة من قراء وطني حتي إن استعصي طريقه إلي قلوبهم… وحسبي أنني أعدهم بأن وطني الرسالة لا ولم تنحسر إذا غابت وطني الصحيفة الورقية المطبوعة, لأنها ماتزال حية عفية حاملة الرسالة التي أرسي دعائمها مؤسسها أنطون سيدهم في ثوبها المعاصر للموقع الإلكتروني, الذي يؤهلها للانتماء والانضمام إلي عصرنا الجديد.