على باب كلية الإعلام بجامعة القاهرة، عزفت تراتيل الغياب من جديد، تذكرني بالغائب الحاضر، رفيق الدرب الذي رحل بلا وداع، الأستاذ الدكتور هشام عطية، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة. كانت تلك اللحظات مؤلمة، فقد ذهبت للقاء صديق عزيز قديم جديد، في مقر كليتنا العريقة. وما إن وقعت عيني على اسم الكلية، لم أتمكن من الدخول. هاجت الذكريات، وماجت تفاصيل الأيام.
مرور الزمن: الحزن لا يزول
أمس، في الثالث من يوليو، مرت أربعة أشهر على وفاة الحبيب. في الثالث من مارس الماضي، غاب عنا الدكتور هشام، أول الدفعة، رفيق الأمل والألم. كان الدكتور هشام قد غادر كلية الطب ليشاركنا رحاب كلية الإعلام بجامعة القاهرة، ليصبح طبيب علم الإعلام وأستاذًا لأجيال كاملة. لم يعرف في حياته إلا التفوق، ولم يتنازل يومًا عن الصف الأول؛ طالبًا، أستاذًا، وإنسانًا.
رحلة الصعود والتفرقات
غاب رفيق رحلة الصعود، جمعنا مدرج “1”، وفرقتنا مسارات العمر. اختار هشام ما أراد، أن يكون الأستاذ، واختار الطريق المرسوم، معلوم الاتجاهات والنهايات. بينما اخترت طريق الصحافة المليء بالأشواك والعثرات، مجهول الاتجاهات ومتعدد الدروب.
كان هشام دائمًا ما يسعى للتميز والتفوق، وقد تجلى ذلك في كل خطوة من مسيرته. كان يستعد دائمًا لكل محاضرة، ويبحث بعمق في كل موضوع، مقدمًا لطلابه معرفة تتجاوز الكتب والمراجع. كان يُلهِم الأجيال بحديثه، وكانت قاعة المحاضرات تمتلئ بروحه الإيجابية والطموحة.
بيت الأستاذ عطية: الملاذ الآمن
كان يجمعنا بيت الأستاذ عطية، الأستاذ الوالد، والأم الطيبة التي احتضنت أحلام كل الأصحاب. كان بيت الأستاذ عطية ملاذنا الآمن دائمًا، نأكل ونشرب ونتعلم ونفهم وندرك معنى البيت الكبير. نغيب في دروب الحياة مطمئنين أن هناك من سوف يجمعنا يومًا ويحتوينا.
في بيت الأستاذ عطية، كنا نجد الدعم والتشجيع، وكان هشام دائمًا يقدم يد العون لكل من يحتاجها. كان يصغي إلى مشاكلنا ويشاركنا أفراحنا وأحزاننا، وكان حضورًا ثابتًا في كل لحظة هامة من حياتنا.
الغياب الأبدي
في تلك الأيام، طال الغياب ورحل من كان يجمعنا. افترقنا على غير موعد للقاء قريب، واليوم عرفت أن هذا اللقاء لن يأتي أبدًا. رحمك الله يا هشام، ستظل في قلوبنا دائمًا، وستبقى ذكراك محفورة في ذاكرتنا. لقد تركت فراغًا كبيرًا في حياتنا، ولن يملأه سوى الدعاء لك بالرحمة والمغفرة. وداعًا يا رفيق الدرب، ستظل في قلوبنا وعقولنا ما حيينا.
ذكريات لا تنسى
لا يمكن أن أنسى الأوقات التي قضيناها معًا، تلك اللحظات التي كانت مليئة بالضحك والنقاشات العميقة. كنا نتحدث عن طموحاتنا وأحلامنا، وكان هشام دائمًا يشجعنا على السعي نحو الأفضل. كان يحمل روحًا ملهمة، ولم يكن يترك أي فرصة لتحقيق تقدم أو تحسين إلا واغتنمها.
تفانيه في العمل
كان هشام نموذجًا للتفاني في العمل، سواء كطالب أو كأستاذ. كان يدرس بجد ويعمل بجد، وكان دائمًا ما يسعى لنقل المعرفة والخبرة لطلابه بأفضل طريقة ممكنة. كان يؤمن بأن التعليم هو المفتاح لتغيير الحياة، وكان يعمل جاهدًا لتحقيق هذا الهدف.
أثره في حياتنا
ترك هشام أثرًا لا يُمحى في حياتنا، ليس فقط كزميل وصديق، بل كقدوة ومثال يحتذى به. تعلمنا منه الكثير، من الصبر والاجتهاد إلى الإخلاص والتفاني. كانت حياته درسًا في المثابرة والعزيمة، وسيظل تأثيره باقيًا فينا مهما طال الزمن.
الختام: وداعًا يا صديق العمر
في نهاية هذا الرثاء، أود أن أقول لك يا هشام: لقد كنت أكثر من مجرد زميل، كنت أخًا وصديقًا ومعلمًا. رحيلك ترك فينا جرحًا عميقًا، ولكننا سنظل نتذكر كل ما علمتنا إياه. سنظل نتذكر روحك الطيبة وتفانيك في العمل وحبك للحياة. رحمك الله يا هشام، وجعل مثواك الجنة. ستظل في قلوبنا وعقولنا إلى الأبد.