مشروع العمر لحكومة الدكتور مصطفيّ مدبولي، هو منخفض القطارة ، كنز مصر المفقود وأملها المنشود، هو مشروع قومي حقيقي لطالما انتظرته مصر لأكثر من مئة عام.
هذا المشروع يا حكومتنا الغراء، شغل عقول العلماء وألهم الحكام، يعيد الأمل في نهضة اقتصادية وتنموية شاملة. منذ عام 1913، حينما طرح الفكرة سري باشا لأول مرة، وحتى اليوم، مرّ المشروع بمراحل من الأمل والإحباط، لكنه لم يفقد بريقه أبداً.
المشروع تحت حكم ناصر
منخفض القطارة، كان مصدر إلهام لكل من جمال عبد الناصر وأنور السادات. وحاول ناصر، برؤيته الثاقبة، أدرك أهمية هذا المشروع واستدعى خبراء من شركة سيمنس الألمانية في عام 1959 لإجراء الدراسات الميدانية الأولية. وفي العام التالي، تم الاتفاق بين مصر وألمانيا الغربية على أن يقوم البروفيسور فرديك بازلر وفريقه بإجراء الدراسات النهائية.
قدرت تكاليف المشروع بمبلغ 4657 مليون دولار، ويستمر 15 سنة، منها 800 مليون دولار لشق القناة باستخدام التفجيرات النووية السلمية، وهي الطريقة الرخيصة والنظيفة والمثالية وقتها. لكن، وكالعادة، كانت الظروف السياسية بالمرصاد، حيث رفضت الولايات المتحدة السماح لمصر باستخدام الطاقة النووية حتى للأغراض السلمية، خوفاً من تحولها لاستخدام عسكري في ظل التوترات مع إسرائيل.
وبالطبع هذه الضغوط السياسية، كانت على الحكومة الألمانية أيضاً والتى قامت بالتسويف، ونجحت الولايات المتحدة فى تأجيل المشروع لسنوات طوال.
طبيعة منخفض القطارة
منخفض القطارة، بطبيعته الجغرافية الفريدة، هو أكبر منخفض أرضي تحت مستوى سطح البحر في العالم. يمتد بطول نحو 300 كيلومتر من واحة مغرة جنوب العلمين حتى واحة سيوة غرباً، بعرض يصل إلى 137 كيلومتراً. يحيط به من الشمال جدار طبيعي من الصخور الجيرية بارتفاع يصل إلى 350 مترًا، وتغطي الكثبان الرملية المتحركة أرضيته في الجزء الأوسط والجنوبي الغربي، بالإضافة إلى وجود رواسب مستنقعات ملحية بطول 150 كم² وعرض 30 كم². ورغم هذه التحديات الطبيعية، فإن الدراسات أثبتت أن المنخفض مستقر جيولوجيًا وصخوره التحت سطحية ثابتة تركيبيًا منذ ملايين السنين، مما يجعله مناسبًا تمامًا لملئه بالمياه دون أي مخاطر زلزالية.
فوائد اقتصادية هائلة
الفوائد الاقتصادية والتنموية لمشروع منخفض القطارة لا تُحصى. حيث يمكن تحويل المنخفض إلى بحيرة ضخمة باستخدام مياه البحر الأبيض المتوسط، مما يسهم في توليد الطاقة الكهرومائية بشكل كبير، وهو ما يعادل عشر أضعاف طاقة السد العالي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استغلال الأراضي المحيطة للزراعة وبناء مجتمعات عمرانية وسياحية متكاملة.
ورغم بساطة فكرة المشروع وسهولة التنفيذ، إلا أن التحديات السياسية والاقتصادية حالت دون تنفيذه حتى الآن.
ربط المنخفض بمياه النيل
إحدى الأفكار الرائدة لتعزيز هذا المشروع هي ربط منخفض القطارة بمياه النيل عبر مشروع نهر الكونغو. يمكن إنشاء قناة تصل نهر الكونغو بأحد روافد نهر النيل في السودان، وإنشاء مجرى مائي جديد يبدأ من بحيرات توشكى ويصب في المنخفض. هذا المجرى المائي يمكن أن يغطي بخلايا شمسية لتقليل البخر، مما يعزز من استخدام المياه والكهرباء النظيفة. علاوة على ذلك، يمكن إقامة عدة سدود على طول نهر النيل وعند نقاط التقاءه بالبحر الأبيض المتوسط لوقف هدر المياه في البحر، وربط فرع رشيد بمنخفض القطارة عبر ممرات نهرية تستغل التضاريس الطبيعية للمنطقة.
مشروع ممر التنمية
مشروع منخفض القطارة يتطابق مع رؤية الدكتور العظيم والوطنى فاروق الباز في مشروع ممر التنمية. ويمكن إنشاء خط سكة حديد وطريق موازٍ للمجرى النهري الجديد، وربط المجرى بفرعي النيل في رشيد ودمياط، ومن ثم بترعة السلام لإحياء سيناء.
وأعتقد أن هذا الربط سوف يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المياه العذبة لمصر، ومن الممكن أن ننشئ أكبر مزرعة سمكية في العالم، وبناء منتجعات سياحية بمواصفات عالمية، وتأسيس مدن عمرانية وصناعية وزراعية على أطراف المنخفض.
استقرار جيولوجي
الخبراء والمتخصصون يرون إن ملء منخفض القطارة بالمياه لن يؤدي إلى حدوث زلازل، لأن المنخفض مستقر جيولوجيًا وصخوره التحت سطحية ثابتة تركيبيًا منذ العصور الجيولوجية القديمة. وهذا الاستقرار الجيولوجي، بالإضافة إلى إمكانيات المشروع الاقتصادية والتنموية، يجعل من الضروري إعادة النظر بجدية في هذا المشروع واستغلال الفرص المتاحة لتحقيق التنمية المستدامة.
احتياطي بترولي ضخم
يري الخبراء ان هناك دراسات مبدئية تشير إلى وجود احتياطي بترولي ضخم تحت أرضية المنخفض. وبمجرد ملء المنخفض بالمياه، يمكن استخدام الحفارات البحرية لاستغلال هذا الاحتياطي، مما يعزز من الفوائد الاقتصادية للمشروع.
الدكتور مدبولي والحلم
يا دكتور مدبولي منخفض القطارة هو فرصة مصر الذهبية لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة. وهذا المشروع القومي يمكن أن يكون مفتاحًا لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المياه، وتوليد طاقة كهرومائية ضخمة، واستغلال الأراضي للزراعة وبناء مجتمعات عمرانية متكاملة.
السؤال
هل لدينا القدرة لتحويل هذا الحلم إلى واقع؟
الأيام القادمة ستجيب عن هذا السؤال، والأمل يظل قائمًا في أن يصبح منخفض القطارة مشروع القرن لمصر.
Good