في شبابه المبكر، وقع الفنان الشاب عبدالعزيز أحمد في حب فتاة جميلة. وبعد محاولات عديدة، اتفقا على أن تكون أول مقابلة لهما في الساعة العاشرة عند ميدان محطة مصر. كان اليوم المرتقب يقترب بسرعة، ولكن بعد الاتفاق على الموعد، تذكر عبدالعزيز شيئًا مهمًا كان غائبًا عن ذهنه: كان لديه بروفة مع نجيب الريحاني في نفس الوقت، والريحاني لم يكن يتسامح مع التأخير أو الغياب.
أمضى عبدالعزيز الساعات القليلة التالية يفكر في حلاً لهذه المعضلة، حتى دخل المسرح في الصباح، يأمل أن يأتي أحدهم ليخبره أن الريحاني لن يحضر اليوم لأي سبب كان. وبينما كان يجول في أفكاره، التقى بزميل له، كان معروفًا بصولاته وجولاته في عالم الحب، فبادره بسؤاله عن سبب توتره.
بعدما شرح عبدالعزيز مشكلته، اقترح عليه الزميل بذكاء: “أول ما يجي الأستاذ، اعمل نفسك تعبان وقل إن ضرسك تاعبك ورايح تخلعه”. ابتسم عبدالعزيز، وسأله: “واشمعنا ضسي يعني؟”. رد الزميل بثقة: “الأستاذ كان بيشتكي قريب من وجع ضرسه ولغى البروفة. قوله كده وهو هيقولك امشي”.
بالفعل، وصل الريحاني بعد دقائق وبدأ الاستعداد للبروفة. مثل عبدالعزيز دور المريض بمهارة، فاقترب منه الريحاني وسأله: “مالك؟”، فرد عبدالعزيز: “ضرسي تاعبني وعايز أروح أخلعه يا أستاذ”. نظر الريحاني له بتفهم وسأله: “وهتخلعه فين؟”. دون تردد، أجاب عبدالعزيز: “في عيادة دكتور في محطة مصر”. ابتسم الريحاني وقال: “دكتور فلان صح؟ ده شاطر أوي.. عموماً أنت إجازة النهاردة”.
هرع عبدالعزيز نحو محطة مصر ليلحق الموعد المنتظر. ولكن بعد وصوله، لم يجد محبوبته هناك. بينما كان يقف متحيرًا، شعر بيد على كتفه. التفت ليجد الريحاني أمامه، وفي تلك اللحظة تغيرت ملامح وجهه لعدة ألوان من شدة الإحراج.
قال له الريحاني بابتسامة ماكرة: “إيه ده؟ انت ما روحتش؟ تلاقيك مش عارف العنوان. تعالى أوديك بنفسي”. حاول عبدالعزيز التهرب قائلاً: “لا يا أستاذ مش عايز أتعبك”. رد الريحاني بحزم: “لا تعالى.. أنا سيبت البروفة لبديع خيري.. لأنني متضايق شوية وقلت أخرج أقعد على قهوة ولا كازينو”.
لم يجد عبدالعزيز خياراً سوى مرافقة الريحاني حتى وصلا إلى العيادة، وهناك وجدها فارغة. دخل عبدالعزيز والريحاني قال له: “هستناك برة”. داخل العيادة، شرح عبدالعزيز للدكتور الحكاية وطلب منه أن يمثل ليقنع الريحاني. ضحك الطبيب وقال: “بس كده؟ طيب اقعد وافتح بقك وصرخ”. صرخ عبدالعزيز بقوة، ولكنها كانت صرخة حقيقية من الألم، إذ أن الطبيب قرر أن يخلع ضرسًا مسوسًا حقيقيًا ظنًا منه أن عبدالعزيز مثل الكثيرين يخاف من الخلع.
خرج عبدالعزيز للريحاني وهو يبكي بصدق، فحكى له القصة كاملة. ضحك الريحاني وقال: “علشان تبطل كذب. أنا كنت عارف حكاية ضرسك دي كلام فارغ فجيت وراك”. سأله عبدالعزيز بدهشة: “وعرفت إزاي؟” رد الريحاني بفخر: “عيب.. ده أنا نجيب”.
وهكذا، انتهت قصة الحب الأولى بمفارقة مضحكة، تاركة عبدالعزيز بابتسامة وذكرى لا تنسى عن مدى ذكاء ومعرفة نجيب الريحاني