في صباح دافئ من أيام عام 1949، اجتمعت العائلة والأصدقاء للاحتفال بزفاف جيهان السادات. وسط تهاني الجميع، سألت إحدى الحاضرات جيهان عن عريسها الجديد. أجابت جيهان بثقة، متجاهلة تعابير الدهشة على وجوه البعض:
“هو أكبر مني بخمسة عشر سنة تقريباً، وكان متزوجاً ولديه ثلاث بنات. للأسف، كان قد خرج لتوه من السجن بسبب تهم تتعلق بقضايا وطنية، لكن الحمد لله تم تبرئته. كان يعمل ضابطاً في الجيش ولكن تم تسريحه بعد السجن.”
ظهرت على وجه السائلة علامات الدهشة والاستغراب، وقالت بنبرة متعجبة: “يا نهار أبيض! ليه كده يا بنتي؟ انتي زي القمر ولسه صغيرة. تلاقيه غني ولا وارثله قرشين؟”
أجابت جيهان بهدوء: “للأسف لا، هو لا يملك شيئاً ويعمل بأي عمل متاح لنعيش. ومين عارف، يمكن يعود للجيش يوماً ما.”
ردت السائلة بنبرة استنكار: “يعني هو ده أخرك؟ وهي دي حياتك؟ هتعيشي مع رجل فقير وعنده أولاد وطبعا هتقعدي في البيت وتبقي ست بيت، ولن تستطيعي حتى إكمال تعليمك. راجعي نفسك، الجوازة دي فاشلة من قبل ما تبدأ!”
نظرت جيهان بثقة وقالت: “أنا مقتنعة بعقله وبثقافته ورؤيته. هو صحيح ترك الجيش، لكني متأكدة أنه سيكون له مستقبل كبير حتى خارج الجيش. هو لا يملك المال، لكنه رجل شريف يعرف مسئولياته. وأخيراً، أنا أحبه.”
معجزات الحياة: من الضابط إلى الرئيس
تزوجت جيهان من أنور السادات عام 1949، وبعد الزواج بفترة قصيرة، تحقق ما كان يبدو مستحيلاً، وعاد السادات للعمل كضابط في الجيش. بدأت جيهان في تربية الأولاد ببيتهم البسيط، وكانت مؤمنة بقدرات زوجها وبمستقبلهم معاً.
في عام 1970، حدثت المعجزة الثانية. أصبح أنور السادات رئيساً لمصر، مما فتح صفحة جديدة في حياة جيهان. قررت جيهان استكمال دراستها وحصلت على ليسانس الآداب عام 1977، تلاها ماجستير في الآداب عام 1980.
بعد الاغتيال: استمرار الكفاح
في عام 1981، تم اغتيال الرئيس أنور السادات، وكان لهذا الحدث الأليم تأثير كبير على حياة جيهان، لكنها لم تستسلم. واصلت مسيرتها الأكاديمية وحصلت على الدكتوراه عام 1986. نشرت كتابها الأول “سيدة من مصر” عام 1987، وتولت منصب أستاذ زائر في جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة.
من مصر إلى العالم
انتقلت جيهان السادات بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث عملت محاضرة في جامعة ولاية كارولينا الجنوبية. وفي عام 2009، نشرت كتابها الثاني “أملي في السلام”، لتواصل رسالتها في نشر الأمل والسلام.
إرث لا ينسى
توفيت جيهان السادات بعد حياة مليئة بالكفاح والإنجازات، لتكون أول سيدة مصرية تُقام لها جنازة عسكرية. كانت حياتها ملهمة لكل الفتيات، فقد قدمت مثالاً حياً على الصبر والأمل والكفاح من أجل تحقيق الأحلام.
رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، فقد كانت رمزاً للع