في منطقة تونة الجبل بمحافظة المنيا مركز ملوي، يجتمع التاريخ والأدب في استراحة أدبية جمعت بين عملاق الفكر والأدب الدكتور طه حسين وعالم الآثار الشهير سامي جبرة. هذه الاستراحة، التي اختارها الدكتور طه حسين ليكون ملاذه الأدبي، بنيت كهدية له من سامي جبرة، وقد كتب فيها الدكتور طه حسين أغلب أعماله الروائية والفكرية.
حب طه حسين لتونة الجبل
ما هو سر حب الدكتور طه حسين لهذا المكان؟ الإجابة تكمن في الاكتشافات الأثرية التي حققها سامي جبرة في تلك المنطقة، وأبرزها قبر الفتاة إيزادورا. إيزادورا كانت فتاة عاشت قبل ألفين سنة تقريباً وارتبطت بعلاقة حب مع شاب يدعى حابي، الذي كان يعمل ضابطاً في حرس المدينة. إلا أن والد إيزادورا الثري وحاكم الإقليم رفض هذا الحب بسبب فقر الشاب. في أحد الأيام، أثناء توجه إيزادورا للقاء حابي، تتبعها حراس والدها، ومن الخوف رمت نفسها في النيل وماتت. بعد وفاتها، ندم والدها ندماً شديداً وبنى لها ضريحاً في تونة الجبل. كان الدكتور طه حسين يزور هذا الضريح بانتظام، مما جعل المكان له مكانة خاصة في قلبه.
استراحة “السرايا”
استراحة الدكتور طه حسين، التي كانت تُعرف باسم “السرايا”، تغير اسمها لاحقاً إلى استراحة “المهندس”. السبب وراء هذا التغيير هو تصوير فيلم “دعاء الكروان”، المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للدكتور طه حسين. قام ببطولة الفيلم نخبة من نجوم السينما المصرية، منهم فاتن حمامة، أحمد مظهر، زهرة العلا، وأمينة رزق.
تونة الجبل: مزيج من الأدب والتاريخ
استراحة تونة الجبل ليست مجرد مكان للكتابة والاسترخاء، بل هي رمز لتواصل الأدب مع التاريخ. الدكتور طه حسين، الذي أضاء بفكره وأدبه عقول الكثيرين، اختار هذا المكان ليس فقط لجماله الطبيعي ولكن أيضاً لقيمته التاريخية والأثرية. فبينما كان يستلهم من ضريح إيزادورا قصص الحب المأساوية، كان أيضاً يعيد إحياء الماضي في كتاباته، مما أضاف عمقاً وجمالاً لأعماله.
تأثير المكان على الإبداع الأدبي
المكان الذي يختاره الكاتب للعمل له تأثير كبير على إبداعه. استراحة تونة الجبل، بما تحمله من تاريخ وأحداث، ألهمت الدكتور طه حسين وأثرت على أعماله. كانت تلك الاستراحة بمثابة نافذة يطل منها على العصور القديمة، يستلهم منها الأفكار والروايات التي تمس القلوب وتثير العقول.
تونة الجبل كرمز للتراث الثقافي
تونة الجبل لا تعتبر فقط مكاناً أثرياً، بل هي أيضاً رمز للتراث الثقافي المصري. الجمع بين الأدب والآثار في هذا المكان يعكس عمق التراث المصري وتنوعه. الدكتور طه حسين، بأعماله الفكرية والأدبية، وسامي جبرة، باكتشافاته الأثرية، شكلا معاً جسراً بين الماضي والحاضر، بين التاريخ والأدب، ليبقى هذا المكان شاهداً على عظمة الثقافة المصرية.
خاتمة
استراحة تونة الجبل، بمزيجها الفريد من الأدب والتاريخ، تبقى رمزاً لإبداع الدكتور طه حسين وتواصله مع التراث الأثري المصري. هذا المكان، الذي كان ملاذاً للأديب الكبير، يعكس جمال العلاقة بين الإنسان ومحيطه، وكيف يمكن للتاريخ والأدب أن يتفاعلا ليخلقا إرثاً لا يُنسى.