ولكن أكثرهم لا يعلمون، ومن يعلمون للأسف ينكرون، ويزعمون أدوارا ما كانت لهم ويتوهمون أنهم من صنعوا الحدث الكبير فى حياة المصريين. مصر كانت فى طريقها لتكون سجنًا كبيرًا، والقوائم كانت معدة سلفا، قوائم للسياسيين، والإعلاميين، والصحفيين، والقضاة، وكل رموز مصر كانت قاب قوسين أو أدنى من السجن . لنتخيل مجددا ، شكل مصر إذا كان لا قدر الله فشلت ثورة (30 يونيو)، لكان «مرشد الإخوان» علق كثيرا من رموز هذا البلد الأمين على أعواد المشانق فوق جبل المقطم. ما كان معدا إخوانيًا كان انتقامًا رهيبًا، والكتائب الإخوانية التى تجمعت من كل حدب وصوب معتصمة فى (رابعة والنهضة)، كانت ستطلق علينا جحافلها عقورة تهلك الحرث والنسل، ولدخلت المحروسة نفق حرب أهلية مخلّفة بحورا من الدماء. ( راجعوا تهديدات رءوس الفتنة فى رابعة ، محفوظة على يوتيوب). المخطط كان رهيبا، وتكالبت على المحروسة وقتئذ، تكالبت علينا الأكلة واستعر شرّهم.. صدقا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، «يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». معلوم، أنفق الإخوان إنفاق من لا يخشى الفقر على استعباد شعب أراد الحياة، ولا يزالون يتآمرون فى منافيهم البعيدة لإجهاض ثورة شعب، وتمكين المرشد من رقابنا.. ولكن الله قيد للمحروسة جيشا حاميا، وعناية الله جندى. ثورة (30 يونيو) تهل علينا هذا العام مختلفة، بعد عقد مر علينا صعيبا، وخاضه الشعب مستمسكا بالعروة الوثقى، متحديا الأخطار محدقة، والتحديات شاقة، والبناء والتشييد تحت وابل من القصف الإلكترونى المكثف عبر منصات إخوانية مسيرة من خارج الحدود.شعب صبور، تحمل القصف، وبنى قبة حديدية من «الوعى الوطنى» تكسرت عليها رماح الإخوان المسمومة. وجيش حمى سماء وطنه، وحدود أرضه، ومنجز شعبه، وكانت دعوته فى كل حين.. سلاما. تذكرنا (30 يونيو) بما قد نسينا أو تناسينا، وفرصة لتذكير المتقلبين، والمنقلبين، والباحثين عن دور، وهم من جبنوا أمام غائلة الإخوان، وعصروا الليمون،كانوا يختانون وطنهم فى المضاجع الإخوانية، والآن يستأسدون على المحروسة ، قلَبوا لها ظهر المِجَنّ، انقلبوا ضدها عداوة بعد مودّة.
ما ولاهم عن قبلتهم السياسية.. فى هذا يقال الكثير، ما هو (خاص) مزعج وما هو (عام) مؤلم.
ظاهرة المنقلبين إعلاميا وفضائيًا وإلكترونيًا التى طفت على السطح خلال عقد مضى، تستأهل التوقف والتبين !!
لماذا ينقلب البعض بين عشية وضحاها، تعوزنا الأسباب، وتحوطا لا نخون أحدًا، بلى، ولكن ليطمئن قلبى، هل كانت (الموالاة) يقينية نابعة عن إيمان بالمشروع الوطنى كحلم وطن تعبر عنه ( حكاية وطن ) ، أم كانت مصلحة شخصية وقتية مخاتلة، كمن لهم فيها مآرب أخرى؟! الدولة المصرية بعد سنوات عجاف تعانى.. وطبيعى تقاسى الأمرين، وحجم الخسائر التى منيت بها البلاد فى سنوات الفوضى التى ضربت البلاد، خلفتها على شفا جرف هار.. وليس بخاف على المصريين، حجم التحدى، وحساسية المرحلة، ومحاولة النهوض بعد سقوط من عل فى براثن جماعة إرهابية تسفك الدماء وتستبيح الأعراض، وتشن حربا دينية على البلاد والعباد، كلفتنا ما لا نحتمل من خسارة ولا تزال تتبضع مكاسب رخيصة على جثث المصريين. الظاهرة ليست فى تقلب بعض الأقلام والأفواه من الموالاة إلى رفض سياسات وأفكار حكمت ثورة ولدت من رحم أزمة ومخاضها صعيب ، هذا طبيعى ويحدث، وهناك تفهم لهذا الحراك السياسى الذى يعقب ثورة مزدوجة عظيمة (25/ 30)، ولكن تحول البعض من التأييد الكامل إلى العداء السافر، خليق بتبين الظاهرة المستجدة والتوقف عند أسبابها، التحولات لا تأتى هكذا إذ فجأة.. كالفجيعة؟! واجب التفرقة بين ما هو منقلب خوان منفلت اللسان، وبين معارض ثابت الجنان مستقيم اللسان، وحتى المعارضة الوطنية المعتبرة عليها واجب الحذر، فبدون تبصر للمآلات ، قد يجرف الموج رموزا وطنية عن قبلتها، وتصب فى خانة الإخوان، و«الإخوان مالهمش أمان».