احتل مسلسل «تحت الوصاية» مركزا متقدما بين أعمال الدراما الرمضانية، وعددها كبير، حيث تنوعت تلك الأعمال بين الدرامى والكوميدى والاجتماعى، واكتملت عناصر النجاح لـ«تحت الوصاية» من كتابة وإخراج ومشاهد وتمثيل، ليس فقط لبطلته منى زكى التى قدمت أهم أدوارها على الإطلاق، لكن أيضا لفريق كبير من الممثلين، قدموا أدوارهم بشكل أسهم فى تقديم عمل كان بمثابة لوحة إنسانية واجتماعية لافتة.
وكان اختيار الموضوع – ومعالجته بشكل إنسانى – هو الخطوة الأولى، ليخرج العمل متكاملا فى التأليف والإخراج والتمثيل والتصوير، بقيادة مخرج يركز على أدق التفاصيل، هو محمد شاكر خضير، الذى يحتل – بهذا العمل – مكانا بين أفضل مخرجى الدراما، مع آخرين بالطبع نجحوا – خلال هذا الموسم، والمواسم السابقة – فى احتلال مكانة مهمة بين المخرجين.
والبداية من السيناريو المحكم الذى كتبه خالد وشيرين دياب، حيث عالج موضوعا مهما يتعلق بالرحيل المفاجئ للأب، لتواجه أرملته «الصغيرة» الحياة من دون خبرات كبيرة، فتضطر إلى الدخول فى مواجهة صعبة، تنجح فيها أحيانا، وتتعثر أحيانًا أخرى، وميزة الكتابة أنها مكثفة، وطوال الوقت هناك لهاث، وأحداث مستمرة، ولا وجود للمط والتطويل والمشاهد التى يتم حشرها لكسب الوقت، فالعمل يذهب للموضوع مباشرة، والتصوير عبارة عن لوحات من المشاهد الكبيرة، التى ربما تمثل بداية لتقديم أعمال تستغل امكان تصوير حية هى فى حد ذاتها كنوز من الطبيعية ويمكنها أن تمثل عالما موازيا.
منى زكى فى أداء متعدد وإنسانى بموهبة، خاصة فى مشهد المحاكمة، عندما تحرص على استعراض علاقتها كأم بابنها ياسين وابنتها فرح، وعاداتهما فى الحياة والأكل والنوم، لكن المحكمة تتحدث عن القانون، ويحكم على الأم بالسجن، لتبقى النهاية مفتوحة، وتخبر ابنها أنه أصبح أبا لأخته، بل هو الآن الأب والأم والأخ معا، وهو مشهد مؤثر وإنسانى يسحب المُشاهد إلى حالة من الشجن.
وبجانب منى زكى، هناك أداء رائع لعدد من الموهوبين والقادرين من الفنانين الكبار، على رأسهم الفنان القدير رشدى الشامى فى دور عم ربيع، حيث قدم دورا من الأدوار الكلاسيكية فى الأداء، ولـ«الشامى» أكثر من عمل، لكنه يبدو في «تحت الوصاية» كأنه يقدم شعرا ولوحات من الأداء العالمى، وبالطبع الدور الذى يقدمه دياب «صالح» بخلطة مشاعر متناقضة بين الشر مع أرملة أخيه، والرومانسية والمشاعر مع خطيبته، والدور الذى يقدمه البحارة الثلاثة، أحمد عبدالحميد «شنهابى»، وعلى صبحى «عيد»، وخالد كمال «حمدى»، ولبنى ونس التى تعيش مرحلة من النضوج الفنى الكبير، ومها نصار التى تقوم بدور أخت حنان، وزوجها على الطيب، ولهما دور مميز، وحتى عفاف رشاد، أم صالح، ووالده جميل برسوم، يقدمان دورا مهما وإنسانيا، ومحمد عبد العظيم تاجر السمك، الشرير الذى يعاند حنان فى رزقها، وهناك الدور الكبير لثراء جبيل، أو دلال، التى تقدم دور دلال سائقة التاكسى، بلغتها المميزة ولهجتها، وهى ممثلة موهوبة تستوعب الدور، بجانب قدرتها الكبيرة التى تبشر بنجمة قادمة بقوة، وحتى الطفل ياسين «عمر شريف» وشقيقته الطفلة «فرح»، قاما بأداء مميز ضمن عمل متكامل.
وبشكل عام، فإن العمل يقدم لغة حقيقية ولهجة مضبوطة، تناسب الأماكن، وتعبيرات أظن أنها سوف تستمر، وهو أمر يرجع إلى السيناريو والإخراج، وفريق العمل، وفى الأخير تستحق شركة ميديا هب ـ سعدى جوهر ـ التحية على إنتاج عمل نجح فى إثارة موضوع اجتماعى وإنسانى، دفع نوابا برلمانيين إلى البحث عن صيغ لتعديل التشريعات الخاصة بالوصاية والميراث والمجلس الحسبى، وكتبت صحيفة الجارديان البريطانية، إن نجاح العمل الدرامى دفع نائبين للتحرك بطلبات منفصلة إلى رئيس مجلس النواب ووزير العدل لفحص تأثير القانون، الذى يقول المنتقدون إنه يضر بالأسرة.
وتأتى النهاية المفتوحة، ربما تشير إلى استكمال الرحلة ما بعد خروج الأم، أو تترك مساحات إنسانية، لدرجة أن صالح الذى بدأ الحرب هو نفسه الذى يشعر بالندم فى نهاية تلك الحرب بانتصاره، بل يتعاطف مع حنان، غريمته السابقة، ويعدها بأنه سيساند ياسين وفرح، يتميمىّ شقيقه عادل.