يوسف شاهين، المخرج العبقري الذي ولد عام 1926، يُعتبر واحدًا من أعظم مخرجي السينما المصرية والعربية على الإطلاق. تميز شاهين بأسلوبه الفريد وجرأته في تناول القضايا الاجتماعية والسياسية في أعماله السينمائية، مما جعله يحظى بإشادة واسعة من النقاد والجماهير على حد سواء. وعلى الرغم من عبقريته وإبداعه الفني، كان يُعرف عنه أيضًا أنه شديد العصبية داخل “الاستديو”، مما جعل التعامل معه تحديًا كبيرًا لكل من عملوا معه. ورغم ذلك، كانت أعماله منارة تُظهر أعمق جوانب الإنسانية وتبرز أداء الممثلين بطريقة استثنائية.
التعاون بين يوسف شاهين ومحمود المليجي
من بين جميع الممثلين الذين تعاونوا مع يوسف شاهين، لم يمتدحه بشكل واضح إلا الفنان الكبير محمود المليجي. وقد شهدت علاقة شاهين بالمليجي تعاونًا مثمرًا في أربعة أفلام رئيسية، هي: “الأرض”، “عودة الابن الضال”، “الاختيار”، و”حدوتة مصرية”. يعتبر المليجي واحدًا من أبرز نجوم السينما المصرية، وقد منحته عبقرية شاهين الفرصة لتقديم أداءات لا تُنسى، خاصة في فيلم “الأرض” (1970).
أداء محمود المليجي في فيلم “الأرض”
في مقابلة تلفزيونية شهيرة، تحدث يوسف شاهين عن عبقرية محمود المليجي وأثنى على براعته في تجسيد الشخصيات بتلقائية شديدة، مشيرًا إلى أن أداء المليجي في فيلم “الأرض” كان من أكثر الأدوار التي أثرت فيه شخصيًا. ومن بين المشاهد التي تحدث عنها شاهين بتفصيل كبير هو مشهد محمد أبو سويلم، الذي جسده المليجي، عندما يأتي محمد أفندي (حمدي أحمد) ليضع له بعض النقود في جيبه بعد تدمير محصوله.
المشهد المميز: دمعة أبو سويلم
يتحدث يوسف شاهين عن التحضير الدقيق لهذا المشهد، حيث طلب من المليجي أن تكون هناك دمعة طبيعية في عينه دون استخدام أي مؤثرات خارجية مثل الجلسرين. استغرقت التحضيرات للمشهد أكثر من ساعة، حيث أراد شاهين أن تخرج الدمعة من عين المليجي بشكل طبيعي وتعبر عن مشاعره الصادقة. عندما تم تصوير المشهد لأول مرة، حقق المليجي الأداء المطلوب بدقة مذهلة، حيث لمعت عيناه بالدمعة التي أرادها شاهين.
ومع ذلك، بسبب خطأ تقني، اضطر الفريق لإعادة تصوير المشهد. وهنا أظهر المليجي مرة أخرى قدرته الفائقة، حيث استطاع أن يعيد أداء المشهد بنفس الجودة سبع مرات متتالية. كانت كل مرة تتضمن نفس الدقة في ظهور الدمعة واقفة في عينه دون أن تنزل، مما جعل شاهين يحتار في اختيار اللقطة النهائية التي ستُستخدم في الفيلم.
الإبداع والاحتراف
تعتبر تجربة يوسف شاهين مع محمود المليجي في هذا المشهد مثالًا على الاحترافية العالية والتفاني في العمل الفني. يعكس المشهد مدى قدرة المليجي على التحكم في مشاعره وأدائه ليصل إلى أعلى درجات الإتقان، مما جعل شاهين يمتدحه بشكل غير مسبوق. هذه القدرة الفريدة على التعبير الصادق والتلقائي جعلت من محمود المليجي أسطورة في عالم التمثيل، وأكدت على عبقرية يوسف شاهين في إخراج أفضل ما لدى الممثلين من طاقات وإمكانات.
ختامًا
يبقى التعاون بين يوسف شاهين ومحمود المليجي نموذجًا رائعًا لعلاقة المخرج بالممثل، حيث تضافرت جهود كلاهما لتقديم أعمال خالدة في تاريخ السينما المصرية. إن هذا التعاون ليس فقط مثالًا على الإبداع الفني، بل هو أيضًا شهادة على قدرة الفنانين المصريين على الوصول إلى مستويات عالمية من الأداء، ما يعزز من مكانة السينما المصرية على الساحة الدولية.