متابعات ـ إيهاب السيد
ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن أجزاء من الولايات المتحدة تستعد لموجة حر قياسية محتملة هذا الأسبوع، وذلك وسط انتشار حرائق الغابات بالفعل عبر مناطق الغرب الأمريكي، كما شهدت أول موجة حر مسجلة لهذا الموسم في اليونان إغلاق معلم الأكروبوليس الشهير وسط إصابة عدد من السائحين بحالات إغماء وفي بعض الحالات، توفوا أثناء تجولهم في أجزاء من هذه الدولة المتوسطية. وتوفي أكثر من عشرة حجاج بسبب ضربات الشمس على الطريق المؤدي إلى مكة.
وأضافت الصحيفة – في تقرير أوردته عبر موقعها الإلكتروني اليوم الأربعاء – أنه هذا الأمر يبدو متوقعا فقبل بداية فصل الصيف، كانت موجات الحر قد ضربت مناطق متفرقة من الكوكب، من بانكوك العاصمة التايلاندية إلى مدينة بارانكويلا الكولومبية. و”بحلول نهاية شهر مايو، عانى أكثر من 1.5 مليار شخص – أي ما يقرب من خمس سكان الكوكب- ليوم واحد على الأقل من درجات الحرارة حيث تجاوز مؤشر الحرارة 103 درجة فهرنهايت أو 39.4 درجة مئوية، وهي العتبة التي تعتبرها خدمة الأرصاد الجوية الوطنية مهددة للحياة.
وتابعت الصحيفة أن شهر مايو يمثل أيضا الشهر الثاني عشر على التوالي الذي يتجاوز فيه متوسط درجات الحرارة العالمية جميع التصورات بشأن درجات الحرارة المسجلة منذ عام 1850. وأشار تقرير نشرته مجموعة تتألف من 57 عالما هذا الشهر إلى أن الأنشطة البشرية مسؤولة عن 92% من ارتفاع درجات الحرارة الذي شوهد في العام الماضي والذي كان الأكثر سخونة على كوكب الأرض، وسط تكهنات العلماء أيضا بأن يتجاوز عام واحد على الأقل – خلال نصف العقد المقبل – متوسط درجة الحرارة السنوي القياسي المسجل في جميع أنحاء العالم في عام 2023.
من جانبه، كتب سكوت دانس، الصحفي بال واشنطن بوست المعني بتغطية أخبار المناخ قائلا: “لقد ربط الباحثون ارتفاع درجات الحرارة بنمط ظاهرة النينيو المناخية وعقود من الاحتباس الحراري الناجم عن الانبعاثات التي يتسبب بها البشر والمسببة لظاهرة الاحتباس الحراري”. وأضاف “قبل عقد من الزمان قدر العلماء فرص ارتفاع درجة حرارة الكوكب بواقع 1.5 درجة مئوية” – وهي العتبة التي تزيد عن مستويات ما قبل الصناعة والتي يؤدي تجاوزها إلى اندلاع كارثة مناخية على الكوكب، وفقا للإجماع العلمي – “وبحلول عام 2020 كانت تقترب من الصفر. والآن، فإن احتمال حدوث ذلك بحلول عام 2028 يقدر بـ 8 من 10”.
وبعبارة أخرى، فإن الكارثة المناخية موجودة بالفعل في العديد من النواحي وذلك فقا لل واشنطن بوست التي اشارت إلى أنه بحلول منتصف هذا القرن، سوف يتعرض نحو خمسة مليارات من البشر على كوكب الأرض لشهر من الحرارة الشديدة التي تهدد الصحة عندما يتواجدون في أماكن مفتوحة تحت أشعة الشمس. وسيصل هذا الرقم بالفعل إلى 4 مليارات شخص بحلول عام 2030.
وقال سكوت دينينج، وهو أستاذ علوم الغلاف الجوي في جامعة ولاية كولورادو: “عندما يكون الهواء رطبا لا يتبخر العرق بسرعة، ومن ثم فإن التعرق لا يبردنا كما يحدث في البيئات الأكثر جفافا”. “وفي أجزاء من الشرق الأوسط وباكستان والهند، يمكن أن تتحد موجات الحرارة الصيفية مع الهواء الرطب الذي يهب قبالة البحر، ويمكن أن يكون هذا المزيج مميتا حقا. ويقطن مئات الملايين من الناس في تلك المناطق، ومعظمهم لا يستطيعون الوصول إلى تكييف الهواء الداخلي.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التأثير المفترض ل تغير المناخ يوضح أيضا الفجوة العالمية المتزايدة بشأن كيفية حدوث ذلك. ونسبت إلى هاري ستيفنز الصحفي المتخصص في أخبار المناخ قوله: “تشير التوقعات طويلة الأجل إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل سيؤدي أيضا إلى فصول شتاء أكثر اعتدالا، مما سينقذ الناس في الشمال العالمي الغني”. “ولكن في البلدان الأكثر حرارة والأقل ثراء – وهي الأماكن التي يكون فيها الناس أقل قدرة على شراء مكيفات الهواء وحيث لا يتمكن العمال الفقراء من تحمل التغيب عن العمل، وحيث المياه نادرة وشبكة الكهرباء أكثر اهتزازا – ستصبح حرارة الصيف أكثر خطورة”.
ومضت الصحيفة تقول إنه لسبب وجيه، يخشى خبراء الصحة العامة على قدرة المجتمعات التي تعيش في عصر تغير المناخ على الصمود. إذ رصد أحدث مؤشر لمرونة استطلاعات المخاطر العالمية – الذي أنتجته مؤسسة لويدز ريجستر باستخدام البيانات التي جمعتها مؤسسة جالوب – زيادة عالمية بين 147 ألف شخص شملهم الاستطلاع في 142 دولة من “الأشخاص الذين يقولون إنهم لا يستطيعون فعل أي شيء لحماية أنفسهم وأسرهم من تأثير كارثة مستقبلية”.
ويخيم شبح تغير المناخ على هذه المشاعر، وهو ما يعزز ما يصفه واضعو المؤشر بأنه “خسارة عالمية للقدرة على التصرف وشعور متزايد بالعجز”.
من جانبها قالت نانسي هيي، المسئولة في مؤسسة لويدز ريجستر، وهي مؤسسة خيرية عالمية مستقلة، إن أبحاث المجموعة “تظهر بوضوح أن بعض الناس أكثر عرضة للخطر من غيرهم، مع احتمال حصول الخُمس الأفقر من الأسر على درجات أقل من المرونة في التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير متناسب مقارنة بأولئك الذين هم أفضل حالا”.
واستطردت الصحيفة تقول: غير أن التطورات السياسية في الغرب لا تشير إلى قدر كبير من التركيز على هذه القضايا. ففي أوروبا، أثارت السياسات الخضراء ردود فعل قومية يمينية عنيفة في كل من الانتخابات العامة، فضلا عن التصويت البرلماني الأخير في الاتحاد الأوروبي. وفي الولايات المتحدة، يسعى العلماء الفيدراليون في العديد من الوكالات التي تركز على البيئة إلى التوصل إلى طرق لحماية عملهم وتفويضاتهم الحكومية في حالة عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى السلطة، وهو العدو المعلن للعديد من اللوائح وقواعد الحماية التي يدافعون عنها.
واختتمت الصحيفة الأمريكية مقالها قائلة إن ناقوس الإنذار المناخي بدأ يدق في الوقت نفسه، مستشهدة في ذلك بتصريحات سابقة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش هذا الشهر قال فيها: “كوكبنا يحاول أن يخبرنا بشيء ما. ولكن يبدو أننا لا نستمع”