من صنع نظام الملالي في إيران هي المخابرات الأمريكية، التي أرادت خلق قوة شيعية لتخويف القوى السنية وتحقيق عدد من الأهداف، أهمها السيطرة على البترول وإقامة قواعد عسكرية في هذه البلدان.
عمل النظام الإيراني بجد على تنفيذ الأجندة الأمريكية بتفاصيلها الدقيقة. أقام هذا النظام عددًا من الأذرع في لبنان وسوريا والسعودية والإمارات واليمن وقطر والعراق والبحرين، ونجح في تهديد أنظمة هذه الدول التي لم تجد سوى الولايات المتحدة للارتماء في أحضانها للحماية والتأمين من الغول الإيراني.
أدركت الأنظمة العربية الهدف الحقيقي للنظام الملالي، وهو اقتلاع هذه الأنظمة وزرع أنظمة وحكومات موالية له تنفذ أحلامه التوسعية، كما حدث في سوريا واليمن، وبات العراق قاب قوسين أو أدنى من التبعية الكاملة للنظام في طهران.
النظام الإيراني استطاع اختراق المجتمعات العربية عبر هذه الأذرع، مما أحدث خللًا في التوازنات الإقليمية وأدى إلى زعزعة الاستقرار. تمكنت إيران من بناء أذرع مسلحة تشبه الجيوش إلى حد كبير، مثل الحوثي الذي ابتلع اليمن، وحزب الله الذي ابتلع نصف لبنان، وحركة حماس التي ابتلعت قطاع غزة. ورغم أن حركة حماس هي حركة سنية وتتبع جماعة الإخوان، إلا أن مؤسس الحركة، الشيخ حسن البنا، قال قولته الشهيرة: “نحن رداء واسع فضفاض يسع الجميع”.
تضخمت إيران إلى الدرجة التي أخافت إسرائيل، وبات معها حتمية تفكيك هذه القوة التي تجاوزت حدود الدور المرسوم لها من المخابرات الأمريكية. وباتت الولايات المتحدة تعمل على تفكيكها وتفكيك أذرعها. بعد 7 أكتوبر، سعت الدول المرعوبة من إيران لمساعدة أمريكا في التخلص من نظام الملالي والأذرع الإيرانية.
بدأت التفكير في استغلال الحدث الكبير وتصويره على أنه التهديد الأكبر بعد محارق النازية، للتكتيك لحرب طويلة الأمد مدعومة من القوى العربية الكبرى التي تهتز خوفًا من إيران، وكانت هذه هي الفرصة الوحيدة لرئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي للإفلات من المحاكمات والحبس، وتحويل فشل حكومته إلى بطولات شعبية تجمد اسمه في الداخل الإسرائيلي، ووظف هذه الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وإقليمية.
الولايات المتحدة هي الأخرى كان لها أهدافها، ولم تتوقف عند هذا الحد. فقد سبق وصنعت داعش والقاعدة لأهداف محددة، منها الحرب على ما تبقى من الاتحاد السوفيتي. وعندما تضخمت هذه التنظيمات، فككتها أمريكا بالقضاء على زعيميها، فسقطت هذه التنظيمات.
نفس الدور يلعبه الأمريكان مع إيران وحزب الله وحماس والحوثي وباقي المجموعة. ويسعون لتفكيك هذه التكوينات أو الحد من قوتها إلى الدرجة التي تجعلها تنظيمات سياسية فقط وليست ميليشيات مسلحة. وهذا الأمر يروق للسعودية والإمارات والبحرين وباقي الدول المرعوبة من إيران، وتسعى لاستغلال هذا التوقيت لتفكيك القوى الشيعية الموجودة ببلدانها، محاولين بذلك استعادة التوازن إلى المنطقة.
يبدو أن إسرائيل تسير على خطة الأمريكان بدقة، ونجحت بشكل أو بآخر، ومن خلال عملاء لها داخل إيران، في إسقاط طائرة الرئيس الإيراني الشهيد إبراهيم رئيسي. كما أنها قضت على غالبية قوة حماس، وترفض القضاء نهائيًا على قادة حماس الرئيسين حتى تصل إلى القيادات الوسطى والصغيرة. وبالنسبة لحزب الله، بدأت إسرائيل عمليات لتفكيك قوة حزب الله وهدم بنيته الأساسية العسكرية. وبعدها، سيأتي الدور على الحوثي، الذي نجح الموساد في تفكيك اليمن من الداخل وتحولت البلاد إلى مجموعات متناحرة تعمل للأسف لصالح إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، تقوم إسرائيل بتنفيذ عمليات سرية تهدف إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة. فاستهداف العلماء الإيرانيين وتفجير المنشآت النووية جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى شل القدرات الإيرانية. كذلك، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز تحالفاتها الإقليمية من خلال اتفاقيات عسكرية لحماية الأنظمة العربية وتكوين جبهة موحدة لمواجهة التهديد الإيراني.
التخطيط الشيطاني الذي نعيشه الآن هو لحماية وتأمين إسرائيل والأنظمة والحكومات الموالية لأمريكا. فقد باتت الدول العربية تنجرف نحو تقديم تنازلات غير مسبوقة، مقابل حماية واهية من تهديدات مفتعلة. وهذا السيناريو يساهم في تعزيز الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة، فيما تبقى الشعوب العربية هي الخاسر الأكبر في هذا الصراع المستمر.
الواقع الحالي يشير إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تتوقفا عند تفكيك القوة الإيرانية وأذرعها، بل ستستمران في استغلال الوضع لضمان عدم قيام أي قوة إقليمية جديدة تهدد مصالحهما. في هذا الإطار، يمكن أن نشهد مستقبلاً المزيد من التدخلات العسكرية والسياسية في الشؤون الداخلية للدول العربية، بهدف إبقاء الوضع الراهن تحت السيطرة.
الهدف النهائي لهذا التخطيط هو تأمين تفوق إسرائيل الإقليمي وضمان ولاء الأنظمة العربية للولايات المتحدة. من خلال استخدام سياسة “فرق تسد”، تتمكن القوى الكبرى من فرض سيطرتها وتقسيم المنطقة إلى كيانات ضعيفة ومتناحرة، مما يسهل استغلالها اقتصاديًا واستراتيجيًا.
على الشعوب العربية أن تكون واعية لهذه المخططات وأن تعمل على تعزيز الوحدة والتكاتف لمواجهة التحديات المشتركة. فقط من خلال الوعي والتنظيم يمكن تجاوز هذه المخططات الشيطانية التي تهدف إلى تدمير الهوية والسيادة العربية، وتحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
على المستوى الشعبي، يجب أن تتضافر الجهود لتوعية الأفراد بالمخاطر المحدقة والاستفادة من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لنشر الوعي وتعزيز القيم الوطنية والهوية الثقافية. يجب دعم المؤسسات التعليمية والثقافية لتعزيز الوعي الوطني وتشجيع البحث والدراسة حول تاريخ المنطقة وأهميتها الاستراتيجية.
وعلى المستوى السياسي، يجب أن تعمل الحكومات العربية على تعزيز التعاون والتكامل بين الدول العربية لمواجهة التحديات المشتركة. ينبغي على القادة العرب اتخاذ خطوات جريئة لبناء تحالفات استراتيجية وتوحيد الجهود الدبلوماسية لمواجهة التدخلات الخارجية والحد من النفوذ الأجنبي.
كما يجب أن يكون هناك تركيز على تطوير القدرات الدفاعية الذاتية للدول العربية وتعزيز التعاون العسكري بين الدول لتأمين الحدود ومواجهة التهديدات الخارجية. يمكن إنشاء مراكز أبحاث ومراكز استراتيجية مشتركة لدراسة التهديدات ووضع خطط لمواجهتها بشكل جماعي.
على المستوى الاقتصادي، يجب السعي لتحقيق التنمية المستدامة وتطوير القطاعات الاقتصادية المحلية للحد من الاعتماد على القوى الخارجية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تنويع مصادر الدخل وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والصناعة والتكنولوجيا.
ختامًا، إن تجاوز هذه المخططات الشيطانية يتطلب وعيًا جماعيًا وجهودًا موحدة من جميع الأطراف المعنية. لا بد أن يكون هناك تضافر بين القوى الشعبية والسياسية والاقتصادية لتحقيق الاستقلال الحقيقي والتنمية المستدامة. فبذلك فقط يمكن تأمين مستقبل آمن ومستقر للشعوب العربية، وضمان تحقيق آمالهم وتطلعاتهم نحو الحرية والكرامة والازدهار.