أظنه كان يرقب احتفال عشرينية «المصرى اليوم» من السماء، فى حلته البيضاء، وابتسامة الرضا تلون محياه..
أتحدث عن صديقى الحبيب «عبد الحكيم الأسوانى» الشهير بـ «حكيم» وكان حكيما فى إدارة صالة التحرير، مدير تحرير «المصرى اليوم» الغائب عن الحفل، الحاضر فى قلوب محبيه.
لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل، والبورتريه الذى نشرته «المصرى اليوم» فى عددها التذكارى لحكيم بقلم الزميل «حمدى دبش» من الفضل الذى أسبغته إدارة «المصرى اليوم» على المحبين للاسم والمخلصين للمعنى الذى تمثله صحيفتنا الشابة فى عقول وقلوب المؤتمنين عليها.
وكأنه بالأمس رحل الحبيب «عبد الحكيم الأسوانى» زميلى ودفعتنا (٨٦ إعلام القاهرة)، بعد معاناة مع المرض، طالت رحلته مع المرض طويلا، ولكنه كان دوما مبتسما، محتسبا، راضيا بما قسمه الله، رضا العبد الصالح شاكرا ربه، سبحان من له الدوام.
حكيم الذى سبقنا إلى السماء الرحيبة، ذهب بعد أن أدى فروضه جميعا، فروض ربه، وفروضه كإنسان، لم يقصر يوما فى عمله، ولا فى إخلاصه، ولا فى محبته الفياضة لكل من يحمل اسم المصرى اليوم.. أو يحل ضيفا عليها (وكنت ضيفا على المحبين، وكانوا كرماء).
مثل راهب فى قلايته، كان حكيم قابعا فى صالة التحرير، مؤتمنا على ورده اليومى، صدور المصرى اليوم فى موعدها المضروب، بإيقاع مضبوط على الساعة، وصبر جميل.
كان مثل قلب كبير ينبض بالمحبة، والعطف، والهدوء النفسى، كنت أتعجب من هذا الرجل الذى لا تهزه الأحداث اليومية ومتابعاتها على مدار الساعة، كان يقف على رأس المنضدة الرئيسية وسط الصالة بقامته الفارعة، ثابت الجنان، كنخلة طويلة تتمايل أعطافها تمرر الهبوب، فتلقى الثمر.
كلماته طيبات يبرد بها القلوب، يلقى بهدوئه وورعه السكينة فى النفوس، حكيم هكذا لقبه الذى اشتهر به كان قانعا بنصيبه فى الحياة، لم يطمع يوما فى ما لدى غيره، ولم يكن بيده الكثير، ولكن فى قلبه الكثير من الحنان، والطيبة، وعنوانه الإيثار.
منذ تخرجنا فى كلية إعلام (دفعة 86)، وحتى تزاملنا لفترة قصيرة، لشهور، فى بيتنا الطيب (المصرى اليوم) فى العام 2018، لم يتغير، طيبة أهل أسوان، أصول أهل الصعيد الجوانى، رب أسرة راق، صديق للجميع.
حلال العقد، كل عقدة ولديه حلها، يجيد فض الاشتباكات الصحفية بصوت رخيم خفيض، يحمل عنك ساعة الضيق، جمل الحمول، طول عمره القصير، مهما طالت الأعمار فهى قصيرة رغبة عبد صالح فى لقاء العظيم المتعال، سبحانه وتعالى.
كان يتألم فى صمت، تكالبت عليه الأمراض، وبنيته ضعيفة، ولا عمره اشتكى ولا قال آه، كان يتألم من جوه، وعلى الوجه المعروق ابتسامة رضا تريح قلوب المتعبين من شقاء مهنة البحث عن المتاعب.
فى سنواته الأخيرة قضى فى سرير المرض بالمستشفيات أكثر مما قضى فى سريره فى منزله وبين أسرته، يغيب عنك يوما أو بعض يوم، تقلق عليه، تتصل.. أنت فين.. يرد بابتسامة، فى المستشفى، تنزعج يقولك بسيطة، يومين وراجع.. المهم الشباب عاملين معاك إيه، خلى بالك منهم دول شباب طيبين.
غادرت «المصرى اليوم» دون وداع، لا أحب طقوس الوداع، غادرنا (هو) أيضا بدون وداع.. وكانت آخر كلماته، نصيحته، أتذكرها جيدا بعد أن عزمت يومها على مغادرة رئاسة التحرير..
غادر يا صديقى فقط مكتب رئيس التحرير ولكن لا تغادر «المصرى اليوم»، سنظل ننتظر كلماتك كل صباح.. أوفيت بالوعد يا حكيم، وهذه كلماتى فى محبتك هذا الصباح.