ظل الإخوان محظورين وممنوعين من أي نشاط من عام 1954 حتى عام 1970 وهو العام الذي شهد وفاة عبدالناصر وبدء السادات في الإفراج والتصالح مع الإخوان المسلمين..
ما فعله عبدالناصر أدى للقضاء على معظم قوة ونشاط الجماعة على السطح، لكن بقي أمرين اثنين:
الأول: أفكارهم بدون كفاح ومقاومة..واتجاه عبدالناصر للمزايدة على إيمان الإخوان بمشاريع منها إصلاح الأزهر وإنشاء إذاعات دينية ومنع ما كان يوصف وقتها (بعُري المجلات)..وخلافه، إضافة لدعم واسع لشيوخ الأزهر وتقديمهم كممثلين ووكلاء عن الدين، وهو الأمر الذي رفع أسهم (الشعراوي والقرضاوي ومحمد الغزالي) لاحقا رغم تبنيهم معظم أفكار الجماعة..
الثاني: بقيت قيادات الجماعة من الصفوف الثانية والثالثة حتى العناصر نشطة في المجتمع، وهذا الجيل كان من مؤسسي الإخوان الأوائل سواء الذين شاركوا حسن البنا في إنشاء الجماعة أو الذين تأثروا من هذا الجيل..
كانت النتيجة أنه فور استدعاء السادات للجماعة عاد الإخوان بكامل قوتهم، لأن الجيل الذي كان يعيش آنذاك كان يتمتع (بالمهارة والقوة والتواصل) اللازم لاختراق المجتمع، ولديهم القدرة على مواجهة الانشقاقات وتبرير الاختلافات وإقناع عناصرهم بحدوثها دون لغط..
دلوقتي الإخوان محظورين بقالهم 10 سنين فقط، ومعظم ما كان يفعله عبدالناصر يفعله السيسي ، مما يعني أن خطر الجماعة على الدولة لا زال باقيا، فالجيل الذي اخترق الدولة والمجتمع آخر 40 سنة لا زال قائما ويعيش وينشط ، وإن قلّ حضوره نوعا ما، لكنه ينتظر الفرصة للانطلاق في أي لحظة، وكذلك لا زالت أفكارهم باقية وشعاراتهم تخترق الوعي الجمعي وترتفع من حين لآخر..
أحب افكرك إن الخوارج ظلوا يحاربون خلفاء المسلمين أكثر من 150 عام، وبقيت حواضنهم الشعبية حتى منتصف القرن 2 هـ، والسر كان في شعاراتهم البراقة والخادعة التي تتميز بسهولة الترويج والدعاية والانتشار ك ( الحكم لله) نفس شعار الإخوان الذي لا زال يخترق الوعي الجمعي الإسلامي (هي لله والحكم لله)
بعد إضعاف السلطات مفكرين وفلاسفة المعتزلة كان طبيعي النتيجة تكون لصالح الخوارج وشيوع أفكارهم داخل مذهبين السنة والشيعة، والذي أدى لغزو التكفير مجتمعات المسلمين لاحقا لمجرد الرأي، يعني عمليا السنة والشيعة ورثوا من الخوارج فكر التكفير كنتيجة طبيعية لقهر والقضاء على أهل العقل من المعتزلة والأحناف الأوائل..
اللي عايز اقوله إن القضاء على الاخوان يلزمه أمرين..
الأول: منع وحظر فترة زمنية لا تقل عن 50 عاما، وهي الفترة التي سينقضي فيها الجيل الحالي من الإخوان والذي تأثر به كذلك، وبالتالي يفقد التنظيم كافة مهاراته السلوكية والحركية والفكرية التي أدت لاختراقه المجتمع في الماضي، وهذا يلزمه على الأقل نصوص قانونية ودستورية تمنع عودة هذا التنظيم ليصبح الحاكم المصري – ما بعد السيسي- ملزما بها، وبالتالي مش محتاجين سادات جديد..
الثاني: مواجهة فكرية حقيقية ودعم الدولة للتنوير والثقافة والفنانين، وهذا يلزمه إنفاق عالي جدا على قصور الثقافة والنقد والإعلام التقدمي، وخفض مساحة الإعلام الديني المتمثل في برامج الفتوى التي كنت ولا زلت أحذر من أنها الباب الخلفي لعودة الجماعة.
إضافة لتعديل أو إلغاء قانون الحبس بتهمة ازدراء الدين، ومشروع واسع لدعم رجال دين مستنيرين يغزون القرى والمدن لشرح معنى وأهمية التجديد في الفكر الإسلامي.
أما ما يحدث حاليا وإن كان له ثمرة في إضعاف الجماعة لكنه يظل (إضعاف مؤقت) حتى تنتهي كافة العوامل التي أدت لتقوية خصوم الإخوان ليعود التنظيم وأفكاره كما كان..وربما أشد..