قرار جريء وصائب: خفض المركزي للفائدة خطوة استراتيجية لدعم الاقتصاد

بقلم – نوران الرجال
في 17 أبريل 2025، أعلن البنك المركزي المصري عن خفضٍ تاريخي في أسعار الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس، ليصل سعر الإيداع إلى 25% وسعر الإقراض إلى 26%، وهو أول خفض منذ أواخر 2020. جاء هذا القرار بعد تراجع التضخم السنوي من ذروته 38% في سبتمبر 2023 إلى حوالي 12.6%–13.6% في مارس 2025. ويعد خفض أسعار الفائدة اليوم علامة فارقة تعكس ثقة صانعي السياسة النقدية في مسار التعافي الاقتصادي وقدرتهم على الموازنة بين تحفيز النمو والمحافظة على الاستقرار النقدي.
يسهم خفض الفائدة مباشرةً في انخفاض تكلفة الاقتراض للمواطنين والشركات، مما يدفع إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري على حد سواء. مع تكلفة اقتراض مخفضة، يتوقع أن تشهد الصناعات الصغيرة والمتوسطة ارتفاعاً في الإقبال على التمويل لتوسيع أنشطتها وفتح آفاق جديدة للنمو. وقد أشارت بيانات البنك المركزي إلى أن أداء الاقتصاد المصري في الربع الأول من 2025 فاق 4.3%، مواصلاً رحلة التعافي للربع الرابع على التوالي. وبذلك، يمهد القرار الطريق لدورة تيسير نقدي مستدامة تعزز النمو دون الإخلال بالمكتسبات التضخمية المحققة.
تنعكس إيجابيات خفض الفائدة لاحقاً على الأسر من خلال تقليل أعباء خدمة الدين الاستهلاكي والقروض العقارية، وهو ما يزيد من القدرة الشرائية للمستهلكين ويسهم في تنشيط قطاع التجزئة والخدمات. فحين ينخفض معدل الفائدة على بطاقات الائتمان والتقسيط الشخصي، يتحول المستهلكون من الانتظار والتأجيل إلى الشراء الفوري، مما يدفع عجلة الإنتاج ويخلق طلباً مستداماً يدعم الشركات الصغيرة والكبيرة على حد سواء.
لا يقتصر تأثير القرار على المستهلكين فحسب، بل يمتد ليشمل الحكومة نفسها والقطاع الخاص الكبير؛ فالخفض الكبير الذي نفذه المركزي يوفر للحكومة ما يقرب من 170 مليار جنيه توفيراً في فوائد الدين مقابل كل 225 نقطة أساس خفضت، وفق تقديرات متخصصة. كما يتوقع أن تزيد الاستثمارات الأجنبية وغير المباشرة في مشروعات البنية التحتية والعقارات، نظراً لانخفاض تكلفة التمويل وتعزيز ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال المصرية.
على الرغم من طابع التيسير النقدي، أكد المركزي التزامه بمراقبة التطورات الاقتصادية وضبط التضخم نحو مستهدف 7% ±2% بحلول نهاية 2026. هذا الموقف الحكيم يضمن أن يستفيد الاقتصاد من خفض الفائدة دون المخاطرة بارتفاع الأسعار بصورة مفرطة. ويأتي القرار متوافقاً مع توجهات بنوك مركزية عالمية بدأت بعد السيطرة على التضخم بتقديم أولى خطوات التيسير النقدي، وهو ما يضع مصر في مصاف الدول التي تدير سياساتها النقدية بمرونة واحترافية عالية.
يُشكل خفض أسعار الفائدة اليوم انعطافة مهمة في مسار التعافي المصري، إذ يجمع بين دعم النمو الاقتصادي وتخفيف أعباء الديون الحكومية والخاصة، مع الحفاظ على الاستقرار النقدي وضبط التضخم. وبفضل هذا القرار، يضع البنك المركزي المصري الأساس لدورة تيسيرية تبني على المكاسب المحققة، وتفتح آفاقاً جديدة للإنفاق والاستثمار والتوظيف، مؤكداً بذلك رؤيته الاستراتيجية وقدرته على الموازنة الدقيقة بين الأهداف الاقتصادية الكبرى.