متابعات ـ هاني فريد
اعتبرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، في عددها الصادر اليوم الإثنين، أن دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة تمثل رهانًا يهدف في جوهره إلى إحباط تقدم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان في انتخابات الاتحاد الأوروبي.
وذكرت الصحيفة في سياق تقرير، نشرته عبر موقعها الالكتروني قبل ساعات قليلة، أن ماكرون فاجأ الشعب الفرنسي الليلة الماضية بدعوته لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بعد هزيمة تحالفه الوسطي أمام حركة اليمين المتطرف بزعامة لوبان في تصويت البرلمان الأوروبي.
وأوضحت الصحيفة أن النتائج الأولية لانتخابات البرلمان الأوروبي أظهرت أن حزب التجمع الوطني بزعامة لوبان حصل على 31.5% من الأصوات مقارنة بـ 14.5% لتحالف الرئيس الفرنسي الوسطي، وهو ما وجه ضربة قوية ل ماكرون الذي حاول تجنب الحصول على المركز الثالث خلف يسار الوسط، الذي حصل على 14% من الأصوات.
وقال ماكرون في خطابه الليلة الماضية:” بالنسبة لي وانا أعتبر دائمًا أن أوروبا الموحدة والقوية والمستقلة أمر جيد لفرنسا، إلا أن هذا وضع لا أستطيع قبوله. لقد قررت أن أعيد لكم خيار مستقبلنا البرلماني من خلال التصويت”.. مُعلنًا حل الجمعية الوطنية وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.
وأضاف ماكرون أنه يعتقد أن التصويت ضروري لتهدئة المناقشات المضطربة في البرلمان الفرنسي وتحقيق الشفافية بشأن اتجاه البلاد في حين قال مسئولون في الإليزيه إن الرئيس كان بالفعل يدرس هذا الأمر لبعض الوقت لمعالجة الجمود في البرلمان.
ومن المقرر أن تجرى الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية خلال ثلاثة أسابيع فقط أي بحلول 30 يونيو الجاري على أن تجري جولة الإعادة في 7 يوليو المقبل.
ولهذا، أكدت “فاينانشيال تايمز”: أن حل الجمعية الوطنية أو “البرلمان” يمثل مقامرة غير عادية من قبل الرئيس الفرنسي الذي فقد بالفعل أغلبيته البرلمانية بعد فوزه بفترة ولاية ثانية كرئيس قبل عامين بنحو بات يهدد بهزيمة تحالفه، الأمر الذي قد يضطره إلى تعيين رئيس وزراء من حزب آخر، مثل حزب الجمهوريين من يمين الوسط أو حتى حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، في ترتيب يعرف باسم “التعايش” أو الإئتلاف.
وفي مثل هذا السيناريو، قالت الصحيفة إن ماكرون لن يكون لديه سوى القليل من السلطة على الشئون الداخلية خلال الثلاث السنوات المتبقية له في فترته.
تعليقًا على ذلك، قال فرانسوا بايرو، وهو سياسي وسطي يتحالف حزبه مع ماكرون -في تصريح خاص لـ”فاينانشيال تايمز”: إن الرئيس كان يهدف إلى إنهاء المأزق في السياسة من خلال طرح سؤال بسيط على الناخبين حول ما إذا كانت فرنسا تعترف بنفسها حقًا في توجهات اليمين المتطرف.
من ناحية أخرى، احتفلت لوبان بالنصر وأشادت برد فعل ماكرون عليه. وقالت في خطاب النصر:” هذا الفوز يظهر أنه عندما يصوت الناس، يفوز الناس. وأنا لا يسعني إلا أن أُحيي قرار الرئيس بالدعوة إلى انتخابات مبكرة ونحن على استعداد لممارسة السلطة إذا قدم لنا الفرنسيون دعمهم”.
ويمتلك حزب الجبهة الوطنية “التجمع الوطني” 88 مقعدًا من أصل 577 في الجمعية الوطنية، مما يجعله أكبر حزب معارضة في حين يضم تحالف ماكرون الوسطي 249 مقعدًا، لذا اضطر إلى عقد صفقات مع أحزاب أخرى لتعزيز أجندته.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” في تقريرها إلى أن فرنسا شهدت بالفعل ثلاث حالات تعايش سياسي سابقة في فرنسا حيث تعين على الرئيس تقاسم السلطة مع رئيس الوزراء وحكومة من حزب معارض، وذلك منذ تأسيس الجمهورية الخامسة في عام 1958.
وتابعت الصحيفة البريطانية أنه بالإضافة إلى الفوز الكبير الذي حققه حزب الجبهة الوطنية في الانتخابات الأوروبية التي انتهت أمس الأحد، تشير التقديرات إلى أن حزبًا يمينيًا متطرفًا آخر، وهو حزب ريكونكيت، قد فاز بنسبة 5.3% من الأصوات. ومن الممكن أن يمنح هامش النصر الأخير زخمًا هائلًا لطموح لوبان لخلافة ماكرون كرئيس في عام 2027 حتى اعتبر أشخاص مقربون من الرئيس قرار الدعوة إلى انتخابات مبكرة باعتباره محاولة عالية المخاطر لإحباط تقدم لوبان.
بدوره، قال برونو كوتريس، الأكاديمي ومنظم استطلاعات الرأي في معهد ساينس بو في باريس:” إن ما حدث يمثل هزيمة قاسية ل ماكرون بالنظر إلى أنه كان رئيسًا لمدة سبع سنوات، ولطالما أعلن أن هدفه هو مكافحة اليمين المتطرف”.
وجاءت الخسارة بعد أن قال ماكرون إن مستقبل الاتحاد الأوروبي على المحك بسبب الأزمة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا والمنافسة الاقتصادية مع الولايات المتحدة والصين، فضلا عن الحاجة إلى مكافحة تغير المناخ، بينما أكد كوتريس أنه “بالنظر إلى أن ماكرون سعى إلى وضع نفسه كزعيم فكري لأوروبا، فإن حقيقة أن الناخبين الفرنسيين لا يتبعونه يمثل مشكلة بالنسبة له”.. حسب قوله.