هناك العديد من الأصوات الإخوانية واليسارية القديمة التي تسعى بشكل حثيث لدفع مصر إلى حرب مع إسرائيل دفاعًا عن حركة حماس. هؤلاء ينسون أو يتناسون دور حماس خلال ثورة يناير عام 2011 عندما دخلت عناصرها إلى مصر، فتحت السجون، حرقت مقار أمن الدولة، وهاجمت الأقسام.
دعوات مشبوهة لدفع مصر إلى الحرب
هذه الأصوات ليست بريئة أو على الأقل متطرفة فكريًا، من المستحيل لأي مصري أن ينسى أو يتناسى تضحيات أبنائنا الأبطال الشهداء في سيناء، حيث أصبحت كافة محافظات مصر لها شهداء على يد الإرهاب الأسود الذي عانينا منذ 13 عامًا وحتى الآن.
لكن السؤال الذي يلح على ذهن الكثيرين: لماذا تتعامل وزارة الخارجية مع حماس طالما أنها حركة متطرفة؟
العلاقات المعقدة مع حماس
الأمر ببساطة أن كافة المصريين، وأولهم كاتب هذه السطور، يدعمون الحق الإنساني لأبناء فلسطين في العيش بكرامة وأمان والسعي لإقامة دولتهم. هذا الحق تكفله كافة المواثيق الدولية بكل أسمائها.
وحركة حماس أصبحت الآن وبدعم من إسرائيل وأمريكا تسيطر على قطاع غزة، وتتحكم في حياة مليونين ونصف المليون شخص لا حول لهم ولا قوة. ولحل مشكلات هؤلاء أو إدخال الطعام والعلاج والكساء يتم ذلك بواسطة هؤلاء الذين يسيطرون على الوضع هناك، فضلاً عن كون الأزمة الأخيرة بعد خطف العشرات من الإسرائيليين الموجودين أيضًا لدى حماس، وتسعى إسرائيل لتحرير رعاياها.
تاريخ ظهور حماس
لفهم سر ظهور حماس، يجب العودة إلى عام 1919 عندما كان المد الوطني المصري في ارتفاع، واتحد المصريون ضد المحتل الأجنبي. وذهبوا إلى معسكرات الجيش وهاجموها لإرغامهم على الرحيل من مصر، وقتها قررت المخابرات البريطانية كسر هذه الوحدة وأنشأت جماعة دينية هدفها إقناع الشباب بقبول المحتل على أرضهم.
استعان المحتل بالشاب الذكي جداً حسن البنا للعمل معهم لمنع المقاومة من الوصول لأكبر قاعدة عسكرية بريطانية في الإسماعيلية، ولكن هذا الشاب الذكي طاوعهم تعلم منهم كل شيء وسرعان ما جعل أعضاء جماعتهم جزءاً من المقاومة بعد ذلك.
هذا النموذج بالضبط تكرر لاحقًا مع حركة حماس التي نشأت لكسر وحدة منظمة التحرير الفلسطينية القوية والمتنوعة فكريًا.
قبل ظهور حماس، كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل جميع الفئات والمناضلين من الرجال والنساء والمسيحيين واليساريين والليبراليين. لكن لهدم هذه الوحدة، انشئت المخابرات جماعة دينية تحت مسمى إسلامي لكسر قوة منظمة التحرير.
ونجح هؤلاء الشباب في الاستفادة من درس حسن البنا، وثبتوا تنظيمهم حتى جاءت ساعة حساب إسرائيل في ٧ أكتوبر، حيث شاهد العالم ضعف وتفكك الجيش الإسرائيلي.
استفادة إسرائيل من وجود حماس
استفادت إسرائيل من هذا التقسيم والتمزق بشكل كبير، حيث استخدمت الخطابات المتهورة للإسلاميين لتبرير سياساتها أمام العالم، مما ساعدها في تصوير نفسها كدولة محاطة بالإرهابيين.
إسرائيل لا ترغب في القضاء على حماس بشكل نهائي، لأن حماس بخطابها الديني يحقق لإسرائيل ما تحتاجه من مبررات لقمعها وعدوانها. على سبيل المثال، عندما ضغط الرئيس الأمريكي جو بايدن على إسرائيل لقبول هدنة ورفض تزويدها بالأسلحة، خرجت فيديوهات لقادة حماس يشتمون أمريكا ويسعون لهدمها. استغل الإسرائيليون هذه التصريحات للضغط على الرئيس الأمريكي ونجحوا في إلغاء قراره.
دور مصر في إيجاد الحلول
مصر تستوعب الأمر جيدًا وتدافع عن حق الشعب الفلسطيني بشكل عام بعيدًا عن التجاذبات السياسية الداخلية. وتحاول مصر البحث عن حلول للشعب الفلسطيني الذي يعاني هذه المرة بشكل أكبر من المرات السابقة.
الخطاب اليساري والإعلام المصري
بعيدًا عن الخطاب اليساري القديم الذي يحاول العاملين في عدد من القنوات المصرية تقديمه للعالم وفي مقدمتهم قناة القاهرة الإخبارية، فإن ذلك لا يعبر عن السياسية المصرية الصاخبة المدرسة السياسية الكلاسيكية التي لا تسير خلف اندفاعات اليساريين الهوجاء.
نعم مصر هي الوحيدة التي لديها حلول واقعية لهذه الأزمة. ولكن رئيس وزراء حكومة الاحتلال لا يريد حلولًا لهذه الأزمة قبل القضاء على كافة قيادات حماس التي خرجت عن طوعه وتمردت عليه في ٧ أكتوبر وتجاوزت الدور المرسوم لها.
الانتظار والتوقعات
الأيام القادمة ستحمل لنا الكثير من المفاجآت. مصر، بموقفها الرجولي الداعي للسلام والباحثة عن الحقوق الفلسطينية وبحكمتها السياسية، هي المفتاح لحل هذه الأزمة الطويلة.
علينا الانتظار ومتابعة التطورات بحذر ووعي، وعدم الالتفات إلى الأصوات اليسارية والإخوانية التي تسعى لحروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، بل تدعم النظام المصري العاقل الذي يعمل من أجل الأفضل للشعبين المصري والفلسطيني وللمنطقة ككل.
حفظ الله مصر وشعبها الطيب العظيم.