تميز وطني ودفاع عن حقوق الجميع
يعد الشهيد فرج فودة أحد أبرز المدافعين عن الوحدة الوطنية في مصر، حتى أن البابا شنودة رشحه لعضوية مجلس الشعب، مؤكداً أنه يمثل صوت الأقباط بأفضل من كثيرين. تروي الأحداث أن مصطفى الفقي، حين سأل البابا عن الأسماء المرشحة من الأقباط، اندهش عندما اختار البابا فرج فودة، وهو مسلم. رد البابا كان واضحاً: “مسلم ولكنه صوت ومعبر عن مطالب الأقباط”.
تاريخ فرج فودة يشهد على التزامه العميق بقضايا الوحدة الوطنية والدفاع عن حقوق الجميع، بغض النظر عن ديانتهم. لم يكن فودة مجرد مفكر وكاتب، بل كان رمزاً للوحدة والتضامن الوطني، حيث عمل بجد لتمثيل صوت الأقباط والدفاع عن حقوقهم في مجتمع متعدد الأديان. رشحه البابا شنودة لمجلس الشعب يعكس مدى تقدير الكنيسة القبطية لرؤيته الشاملة وفهمه العميق لقضايا المجتمع المصري.
السيرة الذاتية والإنجازات
ولد فرج فودة في 20 أغسطس 1945 في قرية الزرقا بمحافظة دمياط. منذ صغره، أظهر ذكاءً وشغفاً بالتعلم، مما دفعه إلى الدراسة بكلية الزراعة في جامعة عين شمس، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد الزراعي عام 1967. خلال نفس العام، فقد شقيقه الملازم محيي الدين فودة في حرب 5 يونيو، ما عمق من حسه الوطني والمجتمعي.
خلال فترة دراسته، لم يكن فودة مجرد طالب مجتهد بل كان ناشطاً سياسياً أيضاً. شارك في مظاهرات الطلبة الغاضبة عام 1968 واعتقل لعدة أيام في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. هذا الاعتقال لم يثنه عن مواصلة نضاله بل زاد من تصميمه على تحقيق العدالة والمساواة في مصر. فودة كان يؤمن بأن التعليم والثقافة هما الطريق الأمثل لتحرير العقول من قيود التطرف والجهل.
مناظرة تكتب نهايته
في 8 يناير 1992، كانت مصر شاهدة على مناظرة تاريخية ضمن معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث تناولت النقاشات موضوع “مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية”. كان فرج فودة في صف الدولة المدنية، متحدياً مرشد جماعة الإخوان مأمون الهضيبي والدكتور محمد عمارة. المناظرة شملت أيضاً كلمات للشيخ محمد الغزالي وأثارت جدلاً واسعاً بين الحضور.
المناظرة كانت لحظة فارقة في تاريخ مصر الحديث. حيث استطاع فودة أن يعبر عن رؤيته للدولة المدنية بوضوح وقوة، مستنداً إلى حجج منطقية ودلائل تاريخية. كانت حجته الرئيسية أن الدولة الدينية لم تحقق على مدى ثلاثة عشر قرناً ما حققته الدولة المدنية من تقدم ورقي. استخدامه لهذه الحجج كان بمثابة تحدٍ مباشر للأفكار المتطرفة التي كانت تسعى للهيمنة على المجتمع المصري.
اغتيال الشهيد
بعد المناظرة الشهيرة، تعرض فودة لتهديدات متزايدة من الجماعات المتطرفة. وفي 8 يونيو 1992، اغتيل على يد شابين من الجماعة الإسلامية. جاءت هذه الجريمة بعد فترة قصيرة من مشاركته في مناظرة أخرى في نقابة المهندسين بالإسكندرية حول نفس الموضوع.
تفاصيل اغتياله تروي مأساة رجل ضحى بحياته من أجل أفكاره. في يوم الاغتيال، أغلق فودة باب مكتبه في مصر الجديدة، متجهاً نحو سيارته برفقة ابنه وصديقه. وفجأة، أطلق عليه الرصاص وسقط فودة في دمائه. تم نقله إلى المستشفى، لكن رغم المحاولات لإنقاذه، توفي بعد ساعات قليلة. هذا الحادث الأليم لم يكن مجرد جريمة قتل بل محاولة لإسكات صوت حر كان يسعى لتحقيق مجتمع أكثر عدالة وتسامحاً.
إرث فكري وسياسي
رغم اغتياله، بقيت أفكار فرج فودة ونضاله من أجل الدولة المدنية حية. هو رمز للتنوير والشجاعة الفكرية، خاصة في مواجهة التطرف والإرهاب. فودة لم يكن مجرد كاتب ومفكر، بل كان صوتاً حراً ومدافعاً عن حقوق الإنسان والمواطنة.
إرثه الفكري يتجاوز كتبه ومقالاته ليشمل تأثيره العميق على المجتمع المصري. فودة كان يؤمن بأن الحرية الفكرية والتعددية هي الأساس لبناء مجتمع قوي ومتماسك. كتبه وأعماله ما زالت تلهم الكثيرين اليوم، حيث يواصل العديد من المثقفين والنشطاء التمسك بأفكاره ومبادئه في مواجهة التيارات المتطرفة.
إرثه ومستقبل الوحدة الوطنية
اغتيال فرج فودة لم يكن نهاية أفكاره بل بداية لنقاشات أوسع حول الدولة المدنية وحقوق المواطنين. يبقى فرج فودة رمزاً للشجاعة والإصرار على تحقيق العدالة والمساواة في مصر، وتستمر أفكاره في إلهام الأجيال القادمة نحو مجتمع أكثر حرية وتسامحاً.
تظل ذكرى فرج فودة حية في قلوب محبيه وأتباعه، ويستمر إرثه في إلهام الأجيال الشابة للتمسك بمبادئ الحرية والتسامح. مصر تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى استعادة روح فرج فودة وأفكاره المستنيرة لبناء مستقبل أكثر إشراقاً وسلاماً.
الخاتمة
في ذكرى اغتياله، نحتفي بفرج فودة ليس فقط كرمز للتنوير والشجاعة الفكرية، بل كمثال حي على قدرة الأفراد على التغيير والمساهمة في بناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة. إن تذكر فودة والعمل على تحقيق رؤيته للدولة المدنية هو أقل ما يمكن أن نقدمه تكريماً لذكراه وتضحياته.