واحدة من اللحظات التي تثبت مدى قوة وصمود الدولة المصرية أمام التحديات الداخلية والخارجية، ومثال على الصراعات التي قد تتفجر في أوقات التحولات الكبرى، كانت محاولة اغتيال رئيس المخابرات المصرية آنذاك، اللواء عمر سليمان، بعد تعيينه كنائب لرئيس الجمهورية في ذروة ثورة 25 يناير 2011. على الرغم من حالة الاضطراب والانفلات الأمني التي كانت تعيشها البلاد، لا تزال تفاصيل تلك الحادثة تشكل جزءًا غامضًا من تاريخ مصر السياسي.
في خضم الاضطرابات العارمة، تزامن تعيين اللواء سليمان كنائب لرئيس الجمهورية مع محاولة اغتيال جريئة. ففي اليوم التالي لتعيينه، تعرض موكب سليمان لهجوم مسلح عند مروره بمستشفى كوبري القبة، ما أدى إلى مقتل سائقه الخاص وأحد أفراد حراسته، وإصابة آخر. بدأت الحادثة عندما غادر سليمان مكتبه بجهاز المخابرات العامة متوجهًا إلى مقر الرئاسة. اختار اللواء سليمان ركوب سيارة BMW X5 غير المصفحة بدلًا من السيارة المدرعة، وهو ما كشفته تفاصيل لاحقة من التحقيقات. عند وصولهم إلى ملف كوبري القبة، فوجئ الموكب بوابل من الرصاص، مما أدى إلى مقتل السائق وإصابة آخر بجانبه. اشتبك أفراد الحراسة مع المهاجمين الذين فروا من موقع الحادث بعد أن قُتلوا جميعًا على الفور.
حسبما صرح قائد الحرس الجمهوري لصحيفة “الوطن”، كان عدد المهاجمين يتراوح بين ثلاثة واثني عشر فردًا، وأكد أن الحادث لم يؤثر على أمن الدولة ولم يكن هناك أي تدخل خارجي وراءه، ما عزز الشكوك حول أن محاولة الاغتيال كانت بدافع داخلي، ومحاولات الإخوان القفز إلى السلطة.
في وقت لاحق، تحدث اللواء عمر سليمان لجريدة “اليوم السابع”، كاشفًا تفاصيل إضافية عن تلك الليلة. وأوضح سليمان أنه في طريقه لمقر الرئاسة، أُبلغ بشكل عاجل برغبة الرئيس حسني مبارك في رؤيته. عند اقترابهم من مستشفى كوبري القبة، تعرضوا للهجوم. بعد مقتل السائق، اندفع سائق السيارة المصفحة بسرعة نحو مقر الرئاسة لإنقاذ سليمان من الكمين، ليجدوا أنفسهم أمام كمين آخر أطلق النار عليهم، لكنهم تمكنوا من الإفلات والوصول بأمان إلى مقر الرئاسة.
لم يكن الهدف فقط قتل اللواء سليمان، بل كان الهدف الأعمق هو إزاحة أحد أبرز الشخصيات التي كانت تشكل عقبة أمام الاخوان الطامعين في السلطة، خاصة في ظل سقوط وزارة الداخلية واندلاع الفوضى.
التقارير الإعلامية المتعاقبة أظهرت أن محاولة الاغتيال لم تكن مجرد حادثة عرضية، بل كانت جزءًا من صراع الإخوان على السلطة في وقت كانت فيه مؤسسات الدولة على شفا الانهيار، وفقط كان الجيش هو عمود الخيمة.
عمر سليمان، الذي كان يُعرف بولائه الشديد للرئيس مبارك وبخبرته الواسعة في مجال المخابرات، كان يُعتبر من الشخصيات المحورية التي يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في المرحلة الانتقالية. تبقى محاولة اغتيال اللواء عمر سليمان واحدة من الأحداث المثيرة للجدل والغموض في تاريخ مصر الحديث، لتظل جزءًا من الروايات التي توثق فترة حساسة وحرجة مرت بها البلاد.
جماعة الإخوان المسلمين كانت تسعى بشكل مستمر لسرقة السلطة، محاولين هدم الدولة واستهداف الوطن. لم تكن هذه المحاولات تلقائية أو داخلية فقط، بل كانت تحركها أياد خارجية تسعى لتنفيذ مؤامرة غامضة تهدد استقرار البلاد.
على الرغم من الفوضى والاضطرابات، استطاعت مصر أن تتجاوز تلك المرحلة الصعبة، وتخطو خطوات نحو بناء نظام سياسي جديد، مستفيدة من الدروس القاسية التي تعلمتها خلال ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث.
هذه المحاولة الفاشلة، رغم خطورتها، أصبحت رمزًا لصمود الدولة المصرية أمام التحديات والمخططات الخارجية، ومثالًا على المؤامرات التي قد تتفجر في أوقات التحولات الكبرى.
على الرغم من كل هذه المحاولات اليائسة من جماعة الإخوان لزعزعة استقرار البلاد وسرقة السلطة، فإن الدولة المصرية بدت اكثر صمودًا لا مثيل لهما في مواجهة هذه التحديات.
وفيما كان الإخوان يسعون لهدم الدولة واستهداف الوطن، كانت هناك قوى خفية تحركهم من الخارج لتحقيق أجندات غامضة تهدف إلى إسقاط مصر وإضعافها.
مع كل هذه المحاولات المتكررة، باءت مؤامرات الإخوان بالفشل بسبب يقظة الأجهزة الأمنية وتعاون الشعب المصري الذي رفض الانجرار وراء هذه المؤامرات. حيث أثبتت الأجهزة الأمنية كفاءتها في التصدي لهذه المخططات الغادرة، وكشف النقاب عن الجهات التي تقف وراءها سواء من الداخل أو من الخارج.
إن محاولة اغتيال اللواء عمر سليمان ليست سوى فصل واحد من فصول عديدة تظهر مدى الخطورة التي كانت تمثلها جماعة الإخوان على استقرار البلاد. وتبقى هذه المحاولة جزءًا من سلسلة من الأحداث التي تؤكد أن الإخوان لم يكن لهم سوى هدف واحد، وهو القفز على السلطة بأي ثمن، حتى ولو كان هذا الثمن هو تدمير الوطن.
في خضم هذه التحديات، كانت هناك لحظات حرجة أثبتت فيها الدولة المصرية أنها قادرة على تجاوز الصعاب والتحديات مهما كانت قاسية. وهذا الصمود لم يكن ليحدث لولا تضافر الجهود بين مؤسسات الدولة والشعب المصري. فقد برهن المصريون على وعيهم ورفضهم لأي محاولات تستهدف تفكيك دولتهم أو العبث بأمنهم واستقرارهم.
واليوم، وبعد مرور سنوات على تلك الأحداث العاصفة، تسير مصر بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا. ويظل الدرس الأبرز من كل هذه الفترات العصيبة هو أن التكاتف الوطني والوحدة بين أبناء الوطن هي السلاح الأقوى في مواجهة أي مؤامرات أو تحديات، سواء كانت داخلية أو خارجية.
وتبقى قصة محاولة اغتيال اللواء عمر سليمان رمزًا لصمود الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية في مواجهة المخططات الخارجية والمؤامرات الداخلية. إنها شهادة حية على قدرة مصر على الصمود والتحدي، وعلى أن المؤامرات مهما كانت معقدة وغامضة، فإنها لن تنال من عزيمة وإرادة المصريين في حماية وطنهم وبناء مستقبلهم.