تريثت حتى تستقيل الوزارة، ويخرج الدكتور «على المصيلحى» وزير التموين من حقيبته، حتى أوفيه حقه، فلست بطالب قرب ولا مطلوب..
هناك من يضنّ بكلمة شكر على المغادرين، يدخرها للقادمين، يروم مغنما، صحيح لا شكر على واجب وطنى، ولكن الشكر مستوجب لرجل أؤتمن على الأمانة فأداها إلى أهلها كاملة غير منقوصة، واجتهد ما استطاع إليه سبيلا..
أن تكون وزيرا للتموين فى المحروسة.. أنت وزير ممتحن، متعلق من رقبتك، فى عنقك الملايين من الطيبين، وعليك أن تجتهد لتسد حاجاتهم الأساسية، فضلا عن تطمينهم على الأرصدة التموينية، وتراقب الأسواق، وتقف على الأسعار زنهار زى الديدبان.
وقبلها وبعدها، تظهر على الناس مبتسما، ما يترجم ثقة، ويكون لسانك حلو، بينقط سكر تموينى، ومستعد للحساب يوميا بالجملة والقطاعى، وعلى مدار الساعة، وجاهز بالرد آناء الليل وأطراف النهار.
ومع كمية «هرى» مفرطة، يجافيك النوم، تصحو مفزوعا مع كل دولار زيادة فى أسعار القمح فى البورصات العالمية، كم ساعة ينامها وزير التموين.. إذا سألت الدكتور المصيلحى سيجيبك: (لا أنام)!
قلبى مع وزير التموين، هذا وزير ممتحن، فى رقبته أقله 74 مليون من الطيبين الذين ينتظرون منه إغداقا على بطاقات التموين.. معلوم، العين بصيرة والإيد قصيرة عن الوفاء بكل المطلوب.
اجتهد الدكتور المصيلحى قدر استطاعته، لكنه كان فى امتحان جد عسير، الناس لا ترحم، والناقدون أكثر من الشاكرين، يحاسبونه حساب الملكين قبل الأكل وبعده..
ناهيك، الحملة فى الفضاء الإلكترونى والتى دأبت على تشييرها منصات إخوان الشيطان ومن ولاهم على الدكتور المصيلحى، واصطياد كلماته، وتشويه تصرفاته، وإجهاض مخططاته لتوفير الغذاء الضرورى، كانت حملة مستدامة، ومتعمدة، ومخططة، وممنهجة..
ولو ولع وزير التموين صوابعه العشرة شمع، هناك شكوى، صحيح الشكوى لغير الله مذلة، يظل وزير التموين فى الواجهة، لوحة نيشان، هدف مستباح، رغم أنه ينفذ سياسات مترجمة فى موازنات، وعليه حسن التدبير.
وزير التموين عادة بين شقى الرحى، بين حاجات لا تنتهى، وموازنات لا تكافئ المطلوب، ومطلوب منه كل صباح تدبير قمح لربع مليار رغيف، وهذا بند من بنود فاتورة الغذاء طويلة، ناهيك عن آلاف الأطنان من اللحوم والطيور والزيوت والسكر..
مطلوب منه سد الحاجات الأساسية من السلع الأساسية لنحو 105 ملايين، وزيادة 9 ملايين من اللاجئين والمهاجرين، معدة ضخمة تهضم الزلط..
وزارة التموين جد هى الأصعب بين وزارات الحكومة، تقريبًا شايلة حمل الحكومة على أكتافها، وتحتاج إلى رجل دولة، مواصفاته صبر وطولة بال، وخبرة سابقة بالأسواق، وعلاقات ودية مع المنتجين، وأكثر مع المستوردين، وحكمة فى التعاطى مع الأزمات الطارئة فى أسواق تضربها الفوضى وجنون الأسعار.
حتى الوزير لا يملك رفاهية التفاؤل ولو ليوم، اللى يبات فيه يصبح فيه، وعينه على مؤشرات الأسواق العالمية، وعينه الأخرى على مؤشرات الأسواق المحلية، يقينا لا ينام، والقمح فى المراكب تبحر تحت قصف مفرط.
بعد أن تقرأ هذه السطور الشحيحة فى الثناء على الدكتور المصيلحى، لا تملك سوى الدعاء لوزير التموين (القادم) بالفلاح، الحمل ثقيل، من يحمل حقيبة التموين يتصدق بعرضه، من تصدر لخدمة العامة، فلا بد أن يتصدق ببعض من عرضه على الناس، لأنه لا محالة مشتوم، حتى وإن واصل الليل بالنهار!.