متابعات ـ إيهاب السيد
أفاد الأمين العام ل جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أن الأمن السيبراني أصبح ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي للدول، وأمن المجتمعات والأفراد والكيانات الاقتصادية.
جاء ذلك خلال كلمة أبو الغيط في افتتاح المؤتمر الدولي الثالث لأمن المعلومات والأمن السيبراني، الذي انطلقت أعماله، اليوم الإثنين، بالقاهرة.
وقال الأمين العام للجامعة العربية: إن العالم الرقمي صار عالما موازيا مكتمل الأركان، لا يقل من حيث كثافة الأنشطة أو تعدد وتعقيد المجالات التي يشملها عن العالم الحقيقي، إن لم يكن يزيد ويتجاوز هذا العالم في أحيان كثيرة.. موضحا أن التجارة والبحث العلمي والتسلية والتواصل الاجتماعي والخدمات الحكومية وغير ذلك من الأنشطة تمر عبر العالم الرقمي ومنصاته المتعددة.
وأضاف “لمسنا جميعا، كيف أدت جائحة (كورونا) إلى زيادة هائلة ومطردة في حجم التواجد على العالم الرقمي واستخدامات تطبيقاته المختلفة”.. وتابع قائلا “وبقدر ما حملت التكنولوجيا الرقمية من إيجابيات ومكاسب عدة في مجالات التجارة والتعليم والخدمات الحكومية المختلفة، بقدر ما انطوت على مخاطر جديدة وغير متوقعة، إذ كشفت عن نقاط ضعف في منظومات الأمن، للشركات والحكومات والأفراد العاديين على حد سواء”.
وأوضح أبو الغيط أن الحروب السيبرانية صارت واقعاً قائماً، وسلاحاً يُستخدم من قبل الدول، وكذلك من جانب الفاعلين من غير الدول من الجماعات ذات الأنشطة الهدامة والإجرامية، وهو سلاح بالغ الفاعلية بسبب اعتماد الكثير من أنظمة الحياة الحديثة على التكنولوجيا والشبكات الرقمية، بما يجعلها عُرضة للهجمات القاتلة، أو لمن يُمارسون جرائم الابتزاز وما يُسمى بـ “برامج الفدية”.
ولفت إلى أنه بهذا المفهوم، صار الأمن السيبراني مفهوماً يتجاوز بكثير قضايا حماية الرسائل والمعاملات المالية والإدارية الالكترونية، بل يضم أيضاً أمن البيانات وتخزينها، فالكثير يُمكن استخلاصه من البيانات المتاحة عبر تحليل سلوك الفرد والمحتوى الذي يستهلكه عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهناك جهات فاعلة في عالم الإنترنت تستخدم البيانات لرفع أرباحها، وأخرى تستخدمها لتنفيذ سياسات ناعمة لتمييع القيم والمبادئ الأساسية للمجتمعات من خلال حملات تضليل مُحْكَمَة لتزييف الحقائق والمساس بالصحة العقلية للشباب، طلباً للأرباح الهائلة.
وذكر أبو الغيط أن الدروس المستقاة من استخدام الشباب لمنصات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أحداث 2011 الخطيرة، كشفت عن الأثر الهائل لانتشار المعلومات المغلوطة والدعوات إلى العنف والكراهية وخطابات التشكيك في نزاهة الأشخاص والمؤسسات الوطنية.
وأوضح أن هذه الأخطار الجديدة من المرجح أن ترتفع في ظل انتشار تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطورها الفائق الذي سيتيح للتنظيمات الإجرامية والإرهابية قدرات ومهارات خارقة لتنفيذ الهجمات السيبرانية وحملات المعلومات المغلوطة والمُضللة.
كما استطرد الأمين العام قائلا “في ظل هذا كله، هناك سؤال ملحٌّ نطرحه جميعاً منذ فترة.. وهو كيف نحمي مجتمعاتنا من خطر يتجاوز حدود الدولة؟.. خطر يصعب فيه تحديد هوية المجرم وطبيعة الجرم ومداه، في ضوء ما يوفره عالم الجرائم السيبرانية من إمكانيات كبيرة للإنكار وإخفاء هوية المهاجم”.
وأكد الحاجة إلى بناء قدرات جديدة مناسبة لتعزيز خط الدفاع التكنولوجي وفق مقاربات مبتكرة يتم تحديثها باستمرار لتتواءم وطبيعة المخاطر المستجدة.
كما وجه أبو الغيط حديثه للمختصين من الحضور قائلا “إنكم أهل الاختصاص وتدركون جميعاً أنه لا يمكن فصل الأمن السيبراني عن باقي مجالات الأمن التقليدية، فالجرائم السيبرانية تستهدف كافة القطاعات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتسعى للتأثير على جميع فئات المجتمع خاصة الشباب، وترتبط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بمجالات الجريمة الأخرى كالابتزاز وطلب الفدية وجرائم الدارك ويب والمخدرات وغيرها، لكن شرائح واسعة من المجتمع العربي لا تدرك بالقدر الكافي خطورة تلك الجرائم، ولا تملك المعلومات والمهارات اللازمة لحماية حياتها الشخصية وبياناتها، وتتعامل مع هذا التهديد الخطير بقدر من الاستهانة الناتجة عن غياب المعرفة”.
ودعا أبو الغيط الى إطلاق حملات توعية لتنبيه المواطن العربي، والمؤسسات العربية المختلفة، بأهمية حماية البيانات من مخاطر الجريمة السيبرانية.
وقال “إنه على صعيد العمل العربي المشترك، وإدراكاً لأهمية هذه التحديات، فقد طرحنا هذا الموضوع المهم على أجندة القمة العربية الرابعة ببيروت في عام 2019 ضمن ملف (التحول الرقمي العربي)، حيث أصدرت القمة قراراً بتكليف الجامعة العربية بوضع رؤية مشتركة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي والأمن السيبراني”.
ونوه بأن هذا الملف حظى باهتمام خاص من الجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة، إذ ركزت لجنة التنسيق العليا للعمل العربي المشترك، وهي لجنة تضم كافة المنظمات والاتحادات العربية، أشغالها خلال الفترة الماضية على وضع رؤية عربية وإطلاق مسار تعاون في موضوع الأمن السيبراني.. وتابع قائلا “كَلفت شخصيا آنذاك المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات بتولي الموضوع، وحققت إنجازات ملموسة، حيث أعدت الرؤية العربية للأمن السيبراني التي حظيت بشرف إطلاقها في شهر أكتوبر 2021 بتونس، كما أقامت بالتعاون مع عدد من الشركات عدداً من الفعاليات منها هذا المنتدى الهام”.
ولفت إلى أن مؤتمر اليوم سيشهد إطلاق الاستراتيجية العربية للأمن السيبراني، التي أعدتها المنظمة وأقرها مجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات في اجتماعه الأخير بأبو ظبي، بالإضافة إلى العديد من الأنشطة التي أقامتها المنظمات والاتحادات العربية، التي لا يسعني المجال هنا للإشارة إليها.
ونوه أبو الغيط إلى أنه في ذات السياق أيضاً، ومن أجل تدعيم المنظومة العربية بجهاز متخصص لحوكمة الأمن السيبراني، فقد وافقت القمة العربية الأخيرة على المبادرة السعودية لإنشاء مجلس وزاري عربي للأمن السيبراني تدعمه أمانة فنية دائمة مقرها الرياض، معربا عن أمله في أن نشهد إطلاقه في أقرب الآجال الممكنة حتى يضطلع بالمهام المنوطة به، معتبرا أن هذا المجلس سيكون إضافة استثنائية للمنظومة العربية لتعزيز الأمن السيبراني، عبر دعم التنسيق بين الحكومات العربية في هذا المجال، وتوفير الإمكانيات لتبادل الخبرات والتجارب والممارسات المختلفة.