لفتني حضوره فى حضرة الرئيس، فى اجتماع مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، أتحدث عن السير مجدي يعقوب، طبيب القلوب، ظهوره محبب و نادر، لا يظهر إلا فى المناسبات الوطنية التى ترسم مستقبلاً مشرقاً لبلاده.
فرصة سنحت للتعبير عن المحبة التى يحوزها الحكيم يعقوب، من يحبه ربه يحبب فيه خلقه، وخلق كثير يحبون يعقوب لله فى لله.
ما تيسر من سيرته، مسيحى أرثوذكسى، مصرى حتى النخاع، شرقاوى من بلبيس، درس الطب فى جامعة القاهرة، قبل أن يرحل إلى شيكاغو، ثم انتقل إلى بريطانيا فى عام 1962 فى رحلة عمل عنوانها الأمل..
دوائر المعارف الإنسانية تفرد صفحاتها لمنجز السير يعقوب الطبي.. وفيها كثير من الإبداعات التى تشبه المعجزات، والسطور لا تتسع لرحلته الطبية الطويلة مع القلوب العليلة..
يعقوب ليس جراحاً عادياً، جراح استثنائي، صمته بليغ، وابتسامته لطيفة، وتواضعه يخجل منه التواضع، ومحبته تفيض على الروابي، وفى إخلاصه العلني لرسالته كراهب يخلص العبادة سر فى قلايته..
ينشر سلاسل الأمل، يصلح ما أفسده الدهر فى قلوب الصغار، الكبير يصلح القلوب الصغيرة، كان يستعيض عن فتح عقول الكبار بعلاج قلوب الصغار.
العقول الكبيرة تيبست، القلوب الصغيرة ماتزال قادرة على الخفقان، يخفق قلب يعقوب سعادة مع خفقة فى بطين طفل طالباً الحياة.
قبلة الحياة هى ما يدخره يعقوب لصغار الوطن، ويعقبها بالشكر، «أنا باشكر كل واحد فيكم»، لطيف سير يعقوب، الطب عند السير يعقوب رسالة سامية.
لم يدخل السير يعقوب فى معارك جانبية، متفرغاً لعبادته فى غرفة العمليات، عكس كثيرين، عنوانه السماحة، متسامح مع نفسه، ومع الناس، ما استبطن كيداً، ولا استجلب مرارة، ولا بات موتوراً، ورغم هجرته المبكرة هرباً بموهبته، سعياً وراء حلمه، بل قرر إثبات الوجود وفعل ونفذ حلم عمره، وحلم عمر يعقوب أن يعالج قلوب أطفال مصر، يا له من حلم جميل.
يعقوب لم يزاحم أحداً، أتخذ مكاناً قَصِيًّا، فى أسوان بعيداً عن زحام القاهرة، ولم يفتح مستشفى استثمارياً، ولا تعاطى مع الطبيين، يقبل الأطفال السمر، ويريحهم من العذابات.
هناك يقيم كراهب فى قلايته، ويرتدى لباس العمليات، ويضع الكمامة على أنفه، ويمسك مبضعه ويغرسه فى القلوب شافياً بإذن الله.